سياسة

اغتيال هنية ومأزق دول التطبيع تجاه الرد الإيراني المرتقب | سياسة

شكّل اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية مأزقا للدول التي سارت في مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ دفع الاغتيال التوتر الإقليمي إلى درجات مرتفعة.

وجاء هذا الاغتيال في وقت لا تمتلك فيه هذه الدول خيارات سهلة للتعامل مع هذا المشهد، وذلك بفعل التحالف السياسي الذي اعتمدته، والذي يتعارض مع الرأي العام لأغلبية شعوبها وشعوب المنطقة وللمصالح الإستراتيجية بعيدة المدى لها أيضا.

ورفعت حادثة الاغتيال التكلفة السياسية لاستمرار التحالف السياسي والإعلامي والأمني مع الاحتلال، وفاقمت مخاطر انخراط هذه الدول في مواجهة مباشرة مع إيران بفعل وجود القوات الأميركية على أراضيها ومشاركتها النشطة في الاشتباك الإقليمي الذي يستهدف إيران والمقاومة في فلسطين والمنطقة.

كما تختبر هذه الأزمة المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الدول في مشروع “الناتو العربي” أو “أتفاق أبراهام” الذي بشر به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي الشهر الماضي، في الوقت الذي لا توفر فيه الولايات المتحدة ضمانة بالدفاع عنها في حال حصول حرب إقليمية مع إيران.

doc-36a643c-1723362398 اغتيال هنية ومأزق دول التطبيع تجاه الرد الإيراني المرتقب | سياسة
بزشكيان (يمين) خلال استقباله وزير الخارجية الأردني (الفرنسية)

مخاطر التورط في الحرب

شهدت جولة التصعيد بين إيران وإسرائيل في أبريل/نيسان الماضي بروز دور دول أخرى كطرف في المواجهة بفعل وجودها في مسار الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها إيران وحلفاؤها في أجواء العراق وسوريا والأردن ومصر.

وتقوم القوات الأميركية والفرنسية المتركزة في العراق وسوريا والأردن ودول الخليج بدور فاعل في الكشف المبكر عن مسارات هذه المقذوفات واعتراضها، إضافة إلى مشاركة القوات المسلحة لبعض هذه الدول في هذا الجهد.

وأثار ذلك حفيظة إيران ودفعها إلى التهديد عقب اغتيال هنية بأن “القوات المسلحة الإيرانية تراقب عن كثب تحركات الأردن، وإذا تعاون مع الكيان الصهيوني فإنه سيكون هدفنا القادم”، وكان الأردن الدولة الوحيدة التي أعلنت قيامها باعتراض الصواريخ الإيرانية.

وعقب اغتيال هنية والتهديد الإيراني بالرد جدد الأردن موقفه الرافض لمرور الصواريخ من أجوائه، وقام بجهد دبلوماسي يهدف إلى نزع فتيل الأزمة مع طهران.

وزار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي طهران في 4 أغسطس/آب الحالي والتقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لكن التصريحات الإيرانية عقب اللقاء شددت على التزامها بالرد على العدوان الإسرائيلي، مما يشير إلى استمرار الأزمة واحتمال تطورها في حال تطورت المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى قصف متكرر ومتبادل.

ويعد مكمن المأزق الأردني في صعوبة ضمان موقف القوات الأميركية على أراضيه التي يستبعد أن تعترض أي صواريخ إسرائيلية، في حين تبادر إلى اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية.

وفي هذه الحالة ستعتبر إيران الأردن مسؤولا عن أفعال القوات الأميركية الموجودة على أراضيه، وكذلك الحال بالنسبة إلى بقية الدول القريبة التي توجد على أراضيها قوات أميركية.

وفي حال تطور المواجهة وانخراط القوات الأميركية فيها بشكل مباشر فمن المتوقع أن تصبح هذه القوات هدفا لضربات إيران وحلفائها، وهو ما يجعل المنطقة ساحة لحرب إقليمية تخشى الدول المتحالفة مع إسرائيل فيها استهدافا مركّزا من إيران.

الاستقرار الداخلي

ويعد انعكاس هذا الموقف الرسمي على الرأي العام لشعوب المنطقة ونظرتها إلى الأنظمة الحاكمة أمرا ذا حساسية بالغة لأثره على الشرعية والاستقرار الداخلي.

وتنظر عموم هذه الشعوب إلى الاحتلال بصفته تهديدا وعدوانا مستمرا على فلسطين والمنطقة، ويصعب عليها تفهّم مشاركة أنظمتها في اعتراض صواريخ متجهة إلى إسرائيل، خصوصا حينما يكون الأمر ردا على قيامها باغتيال رئيس حركة مقاومة مثل حماس على الأراضي الإيرانية.

ومما عزز حضور هذا التخوف تبديد الاغتيال جزءا من رصيد التحشيد الإعلامي المناوئ لقيادات المقاومة، إذ أسهم في تقويض السردية الإعلامية المناوئة للمقاومة، والتي تعتمد مقولات رئيسية، مثل التمييز بين حماس داخل فلسطين وخارجها، واتهام قيادتها خارج فلسطين باتخاذ قرارات لا تراعي معاناة الشعب، في حين عزز الاغتيال شراكة أبنائها في دفع ثمن مقاومة الاحتلال.

كما أسهم مشهد التشييع الشعبي الضخم في طهران في إظهار التضامن الشعبي الفطري للشعب الإيراني مع القضية الفلسطينية، وهو ما يضر التعبئة الطائفية التي تقودها دول التطبيع ويجعل منها مبررا للتحالف مع الاحتلال ومعاداة المقاومة.

وأظهر الحدث عجز عموم الدول العربية عن الرد مقابل الانتظار الشعبي الواسع لرد محور المقاومة، وهو ما يعزز بُعد هذه الأنظمة عن التطلعات القومية والإسلامية لشعوبها، وينعكس سلبا على مستوى شرعيتها في نظر مواطنيها.

يشار إلى أن شعارات رفض التطبيع والسلام مع الاحتلال عادت بقوة إلى الكثير من المدن العربية عقب اغتيال هنية.

محور التطبيع والحرب

في خطابه أمام الكونغرس الأميركي قدّم نتنياهو العملية العسكرية المشتركة التي حمت إسرائيل من أغلبية الصواريخ والمسيّرات الإيرانية في 14 أبريل/نيسان الماضي كنموذج لتحالف عسكري مبني على اتفاقيات السلام والتطبيع معه.

وقال نتنياهو في خطابه “إليكم رؤيتي للشرق الأوسط الأوسع، يمكن لأميركا وإسرائيل اليوم تشكيل تحالف أمني في الشرق الأوسط لمواجهة المسرح الإيراني المتنامي، يجب دعوة جميع البلدان التي تعيش في سلام مع إسرائيل وجميع البلدان التي ستصنع السلام مع إسرائيل للانضمام إلى هذا التحالف”.

وأضاف “لقد رأينا لمحة من هذا التحالف المحتمل في 14 أبريل بقيادة الولايات المتحدة حين عملت أكثر من 6 دول جنبا إلى جنب مع إسرائيل للمساعدة في تحييد مئات الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران ضدنا”.

وتابع أن “التحالف الجديد الذي أتخيله سيكون امتدادا طبيعيا لاتفاق أبراهام الرائد، فقد شهد ذلك الاتفاق السلام بين إسرائيل و4 دول عربية، لدي اسم لهذا التحالف الجديد، أعتقد أنه ينبغي لنا أن نطلق عليه اسم تحالف أبراهام”.

جولة اختبار

وتختبر هذه الجولة من التصعيد خيارات الدول المنخرطة في التطبيع مع الاحتلال، إذ سعى “اتفاق أبراهام” إلى خلق واقع جيوسياسي جديد تتحالف فيه هذه الدول مع إسرائيل ضد إيران، بما يضمن لدولة الاحتلال تكاملا عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا في المنطقة، وهو ما يمدها بأسباب البقاء والصمود في منطقة رفضت قبولها منذ نشأتها.

وتقف هذه الدول أمام لحظة الحقيقة، فهل تنخرط في حرب إقليمية جنبا إلى جنب مع إسرائيل؟ وهل تثق بأن الولايات المتحدة ستوفر لها الحماية ذاتها التي توفرها لإسرائيل، أم أنها ستجعلها مصدا وضحية لحماية حليفتها الإقليمية المفضلة، خصوصا في ظل غياب أي اتفاق دفاعي ملزم للولايات المتحدة تجاه هذه الدول؟

يضاف إلى ذلك افتقارها إلى التسليح والتدريب اللازم لخوض حرب كهذه، ناهيك عن التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية المدمرة عليها.

ويظهر من السلوك السياسي والإعلامي لهذه الدول الحرص على النأي بالنفس قدر الإمكان عن حرب كهذه باعتبارها خسارة صرفة في ظروف كهذه.

وظهر ذلك في خطابات لقاء مجلس وزراء دول منظمة التعاون الإسلامي في جدة قبل أيام، وحذرت تلك الدول من التصعيد الإقليمي، وهو ما يشير إلى استشعارها الخطر البالغ لاندلاع الحرب عليها.

لكن العامل الأميركي يبقى حاسما في ضبط وتيرة سلوك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، إذ لا يبدو أن أيا منهم لديه الاستعداد للخروج عن مظلة الموقف الأميركي وإن كان يسعى إلى التأثير به قدر الإمكان بما يحمي استقراره ومصالحه الجوهرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى