سياسة

ما تداعيات هجوم كورسك على مسار الحرب الروسية الأوكرانية؟ | سياسة

موسكو/كييف- قبل أن تُشكل صدمة للروس، فاجأت العمليات العسكرية في مقاطعة كورسك الأوكرانيين أنفسهم، بعد أكثر من سنةِ جمودٍ نسبي على الجبهات، كما يبدو أنها فاجأت داعمي كييف الغربيين أيضا، خاصة وأن عدة عواصم تتابع المجريات وتتواصل معها لمعرفة الأهداف.

ودون شك، شكل هذا الهجوم الأوكراني منعطفا كبيرا، فقد نقل زخم المعارك إلى داخل أراضي روسيا منذ بداية حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وحتى منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد يكون عنصر المفاجأة أكبر عوامل نجاح هذه العمليات، وتمكّن القوات الأوكرانية من السيطرة على مئات الكيلومترات المربعة في المقاطعة، بما يشمل عدة بلدات وقرى بعضها رئيسية.

النتائج المرجوة

يقول إيفان ستوباك، الخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل” والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري بالبرلمان الأوكراني إنه -على العكس تماما- كان الجيش يروج لهجوم روسي محتمل على مقاطعة سومي، ويبدو أن ذلك كان حجة لنقل ألوية عالية الكفاءة إلى هناك، والقيام بالمهمة.

ويضيف -للجزيرة نت- أن تفاصيل كثيرة لا تزال سرية، لكن الأكيد أن 5 ألوية أُعدت لهذا الغرض، بأعداد لا تتجاوز 10 آلاف، وزُودت بما تحتاجه من آليات وأجهزة. ولا يعتقد أن الغرب يعارض مشاركة تلك الآليات مؤكدا أن أروقته الأمنية ترحب بما يحدث، وتنتظر النتائج.

وبحسب المراقبين، تنحصر النتائج الرئيسية المرجوة في عدة أمور لا يخفيها المسؤولون الأوكرانيون:

  • أولها: تشتيت القوات الروسية وتخفيف ضغطها على القوات الأوكرانية في الجبهات.
  • ثانيها: نقل الحرب إلى الداخل الروسي لزعزعة استقرار نظام الرئيس فلاديمير بوتين، وإذاقة الروس مرارة كأس الحرب التي أذاقوها للأوكرانيين.
  • ثالثها: كسب عامل ضغط على موسكو وإجبارها على الانسحاب مقابل الانسحاب، عند أي مفاوضات ممكنة في المستقبل.

ويخوض بعض المراقبين أيضا في رغبة أوكرانيا السيطرة على محطة كورسك النووية لإجبار موسكو على الانسحاب من محطة زاباروجيا، والاقتراب من نقاط تسهل قصف مزيد من المواقع الروسية الحساسة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيتمكن الأوكرانيون من المضي قدما وأكثر في عمق المقاطعة وإلى أي مدى؟

الرد الروسي

حسب الخبير العسكري ستوباك، تأخر الروس في فهم واستيعاب حقيقة ما يحدث، فصعّبوا على أنفسهم مهمة إبعاد القوات الأوكرانية التي باتت تتمركز وتبني خطوطا دفاعية. وكان عليهم حل المشكلة قبل عطلة نهاية الأسبوع، لكن المعركة أصبحت موضعية في جبهة واسعة.

واستدرك الخبير ذاته أن لا معنى لتوقع أي اختراقات أوكرانية جديدة مذهلة من هذه اللحظة فصاعدا. ورجح أن تكتسب الحرب في كورسك زخما يجبر الروس على التركيز عليها، والتخفيف عن غيرها.

وفي المشهد المقابل، وبينما تعكف القيادة العسكرية الروسية على استخلاص العبر مما حدث، سارعت موسكو لاتخاذ خطوات أولية لمواجهة التطور الجديد في محاولة لمنع مزيد من تمدد القوات الأوكرانية لمواقع أكثر تقدما.

ويكاد يسود شبه إجماع لدى المراقبين الروس بأن “العدوان الأوكراني” في منطقة كورسك لن يمر دون عقاب وقد يتضمن -من بين أمور أخرى- استهداف مقار حكومية أو محطات للطاقة.

ووفق الخبير العسكري فياتشيسلاف شوريغين، فإن عملية كورسك حساسة لروسيا، وسيتم الرد عليها بصرف النظر عن التكلفة التي سيتحملها الجانبان. وتابع أنه لا يوجد هدف عسكري وراء هذا الدخول إلى الأراضي الروسية، ولكن هناك هدفا سياسيا يندرج ضمن سياق الحرب النفسية لصرف الانتباه عن الإخفاقات في دونباس، ورفع الروح المعنوية المتدهورة إلى حد ما في أوكرانيا.

وفي حديث للجزيرة نت، يضيف شوريغين أن الرد الروسي لن يقتصر على عدد قليل من الصواريخ، متوقعا أن يتم استخدام عشرات أنواع الأسلحة في الضربات، بما في ذلك مجموعة متنوعة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية، والطائرات دون طيار “مما سيسبب مشكلة خطيرة لنظام الدفاع الجوي في أوكرانيا”.

ويرجح المتحدث ذاته توجيه ضربة لقطاع الطاقة في كييف على خلفية الأحداث في منطقة كورسك، موضحا أن تعطيل شبكات الكهرباء -على سبيل المثال- قد يحرم القوات المسلحة الأوكرانية من المصانع العسكرية وورش الإصلاح.

هدف سياسي

من جانبه، يرى محلل الشؤون العسكرية يوري كنوتوف، في حديث للجزيرة نت، أن شن هجمات مفترضة على المباني والمؤسسات الحكومية في إطار الرد الروسي قد تكون غير فعالة، نظرا إلى أن السلطات الأوكرانية تسيطر على قواتها وتديرها من “داخل الأقبية”.

ووفق تقديراته، فإن روسيا لن تسمح للقوات الأوكرانية بجلب الاحتياطيات إلى منطقة كورسك، لذلك ستركز على ضرب مراكز الاتصالات والمرافق اللوجستية وغرف التحكم والسيطرة.

ويقول المحلل ذاته إن الهدف السياسي الرئيسي لكييف من وراء الهجوم على كورسك هو الاستعداد للمفاوضات، واصفا إياها باللحظات الأخيرة للحرب قبل المفاوضات.

وبرأيه، سيتم استخدام هذا الهجوم “الخاطف” لكي يكون له دور في المفاوضات المستقبلية، رغم أن خسائر القوات الأوكرانية بسببه ستذهب سدى، ورغم أنه كان بإمكان كييف استخدام هذه القوات والموارد في نقاط اشتباك أكثر أهمية من كورسك.

وتكمن الصعوبة – حسب كنوتوف- في أن الأوكرانيين يعملون في مجموعات قادرة على المناورة، وأحيانا مدرعة، وأحيانا على عجلات، والأهم من ذلك في مناطق مأهولة بالسكان، مما تسبب في إشاعة حالة من الخوف و”هذه النقطة تعمل لصالح العدو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى