عراقيون قلقون من “المحتوى الهابط” ويؤيدون “الردع” الحكومي | سياسة
بغداد- بعدما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في العراق ساحة واسعة للتعبير عن الرأي، ينظر قطاع واسع إلى ظهور صُناع محتوى وصفوه بـ”غير اللائق” أو “الخادش للحياء” على خلفية ما يبثه هؤلاء من منشورات وسلوكيات “مخالفة” لعادات البلد.
وشنت الحكومة العراقية خلال الشهور الماضية حملة لتطويق ما وصفت بـ”ظاهرة المحتوى الهابط”، من خلال إجراءات تضمنت توقيف شخصيات اشتهرت بنشر موضوعات قيل إنها مسيئة.
وأصدر مجلس القضاء الأعلى العديد من مذكرات القبض بحق مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي بالعاصمة بغداد وعدد من المحافظات بتُهمة المحتوى الهابط وغير اللائق، الذي لا ينسجم مع الآداب العامة.
وكان آخر المستهدفين بقرارات التوقيف الناشط على منصة “تيك توك” “بلانة”، حيث أعلنت “لجنة المحتوى الهابط” في وزارة الداخلية، الجمعة، صدور أمر قبض بحقه، وقالت في بيان إنها “اتخذت الإجراءات القانونية بحق التيكتوكر المدعو (بلانة) محمد عمر محي الدين قادر”.
مستويات خطرة
يعتقد المواطن حسين عمار أن المحتوى الهابط بات يمثل تهديدا للمجتمع. وقال إن ما يبثه المشاهير “أصبح ضمن المستوى الخطر بعد تسربه إلى البيوت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا التيك توك والإنستغرام“. لكنه أضاف، في حديث للجزيرة نت، “نتمنى ألا يصل تأثير هذا المحتوى إلى تهديد حياة الأشخاص أو التشويه الجسدي”. معتبرا أن الحكومة العراقية بدأت بشكل جدي في اتخاذ إجراءات ضد المتورطين.
من جانبه، أشار الخبير القانوني والمحامي حسين جاسم الشمري إلى أن أسلوب الردع القضائي وإصدار مذكرات القبض خطوة مهمة وضرورية لمعالجة “ظاهرة المحتوى الهابط” لما تمثله من خطر وإساءة للمجتمع.
وقال الشمري في حديثه للجزيرة إن “القرارات القضائية تجاه المحتوى الهابط هي خطوات رادعة وقادرة على تحقيق الهدف، كونها تستهدف أفعالا تسيء إلى المجتمع وإلى شخصيات معروفة”.
واعتبر أن “معاقبة هذه الأفعال أمر ضروري كي تكون رادعا لضمان عدم تكرار أو انتشار هذه الأمور”.
الجيوش الإلكترونية
من جهته، أثنى المواطن جعفر علاء حسين أيضا على “إجراءات وزارة الداخلية في محاسبة مشاهير المحتوى الهابط للحد من انتشارهم بعدما أصبحوا عبئا على المجتمع”.
ودعا حسين في حديث للجزيرة نت لشمول “ما يعرف بالجيوش الإلكترونية من أصحاب الصفحات التي تنشر محتوى مسيئا وطائفيا، كونها تتضمن منشورات لا ينبغي طرحها على وسائل التواصل”.
بدوره، دافع الناشط في مجال وسائل التواصل الاجتماعي حسن يوسف عن الإجراءات الحكومية في هذا الصدد، معتبرا أنه “لا يوجد شيء يُسمى تكميم الأفواه.. في الآونة الأخيرة ظهر محتوى هابط وغير مقبول على مواقع التواصل، وكان يستوجب قيام الجهات الرقابية والحكومة باتخاذ إجراءات رادعة وهي خطوة إيجابية وصحيحة”.
وأضاف للجزيرة نت أن “العراق منفتح على باقي الدول، ولدينا ثقافات وعادات وسُياح من مختلف الألوان، بالتالي على الجميع احترام خصوصية البلد وعاداته”.
“تصفية الخصوم”
استبعد الخبير والمستشار القانوني علي التميمي إمكانية استخدام ورقة المحتوى الهابط كوسيلة لتصفية خصوم، كونها تعتمد على أدلة تم اعتمادها وفق 3 أركان.
وقال التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إن “مسألة استغلال المنشورات على مواقع التواصل لتصفية الخصوم أو استخدامه لأغراض مختلفة سياسيا أو اجتماعيا من الممكن تحريكه من بعض الجهات، لكنه يصطدم بإجراءات المحكمة كونها تعتمد على الدليل، إضافة إلى ذلك ينبغي تضمين شروط في المحتوى كي يكون مخالفا للذوق العام والقانون العراقي النافذ”.
وأضاف أن “جريمة المحتوى الهابط ينبغي فيها توفر 3 أركان أولها: الركن المادي المرتبط بأداء الفعل، والآخر هو الركن المعنوي، وهو القصد في ارتكاب الجريمة، وهو الركن الأهم. وبحال عدم توفر ركن منها فحينها سيرد القضاء الدعوى لعدم اكتمال أركانها”، مستدركا بالقول إن “الركن الثالث هو القانوني والمرتبط بالمادة القانونية التي يتم من خلالها تحريك الدعوى”.
وأوضح الخبير القانوني، أن “المادة القانونية 403 من قانون العقوبات العراقي هي مادة دقيقة وتشترط وجود منشورات مسيئة للأدب وتخالف الذوق والآداب العامة، وأن تقصد تلك المنشورات -كما تشير المادة 403- إلى إفساد الذوق العام”، مؤكدا أن “الجهة المناط بها مراقبة مواقع التواصل وما ينشر فيها هي الأجهزة الأمنية إضافة إلى اعتماد البلاغات”.
وأكد التميمي أن “ما يتعلق بمكافحة المحتوى الهابط هو أمر يختلف جذريا عن قانون مكافحة الإرهاب أو غيره من القوانين التي استخدمت أحيانا لتصفية خصوم أو الإسقاط السياسي كونها تعتمد على أدلة وأركان واضحة”. مشددا على أن هناك “فرقا بين النقد والانتقاد عبر مواقع التواصل أو المنشورات، فالانتقاد يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، أما النقد فلا يمثل خرقا قانونيا”.
صناعة المحتوى بلا هوية
أكد الإعلامي الرياضي وصانع المحتوى العراقي أحمد التميمي أن الهوية غائبة لصناع المحتوى في العراق، كما أنه لا توجد فلترة للمحتوى أو تخصص للبحث عنه من الجمهور.
وبشأن قضية اغتيال “أم فهد” وهي واحدة من مشاهير التواصل الاجتماعي، أكد التميمي أن “ما حصل بقضية المغدورة أم فهد لا يمكن اعتباره جزءا من قضايا تصفية حسابات صناع المحتوى على اعتبار أن أم فهد لها حساب خاص وتنشر فيه يومياتها ولا يمكن اعتبارها صانعة محتوى أو بلوغر”.
وأوضح أن “الدولة هي المحرك الأول لصناع المحتوى في كل بلد، وإن كان بشكل غير مباشر، وخير مثال ما نراه من تسويق حكومي عالي المستوى للنشاطات والفعاليات الحكومية التي تتم من خلال صناع المحتوى في تلك الدولة لاستهداف الشباب والعوائل بطريقة حديثة وأكثر تنظيما من خلال هذه الشخصيات المشهورة”.
وأكد الإعلامي أن “الهوية غائبة لصناع المحتوى في العراق، ولا توجد جهة تحتويها أو روزنامة للفعاليات الوطنية يستطيع من خلالها صناع المحتوى بناء أنشطتهم ومحتواهم، كما لا توجد فلترة للمحتوى، فلا تستطيع البحث عن أسماء محددة لصناع المحتوى بمجال معين كالرياضة أو الشؤون النسائية وغيرها، لعدم وجود تنظيم للعملية”.