سفيان رحيمي.. فتى من هوامش الدار البيضاء تألق في الأولمبياد | الموسوعة
سفيان رحيمي لاعب كرة قدم مغربي محترف ولد عام 1966، يلعب في كل المراكز الهجومية، وينشط أساسا في مركز الجناح الأيسر. بدأ مسيرة مهنية مبكرة مع براعم نادي الرجاء الرياضي المغربي.
عانى من الإصابة والإبعاد، فكر في ترك كرة القدم، وتمكن في النهاية من الإقناع بمكانته في الفريق الأول، وانتقل لنادي العين الإماراتي منذ صيف 2021.
نجح في أن يثبت قدراته محليا ودوليا، وفي أفضل فتراته الكروية هذا العام، تُوج بدوري أبطال آسيا مع نادي العين وفاز بلقب هداف البطولة.
التحق بمنتخب المغرب الأول، وتوج موسمه بميدالية برونزية في أولمبياد باريس 2024، وحقق 6 أرقام قياسية.
المولد والنشأة
وُلد سفيان رحيمي في الثاني من يونيو/حزيران 1996 في منزل متواضع ملحق بملعب “لوازيس” التابع لنادي الرجاء والمخصص للتدريب، والواقع في حي درب السلطان بمدينة الدار البيضاء المطلة على ساحل المحيط الأطلسي.
رحيمي هو الابن الثاني لعائلة رياضية، ورث حب نادي الرجاء -أحد أقطاب كرة القدم المغربية– من والده الذي يعد بمثابة الأب الروحي للنادي الأخضر.
كان الأب محمد رحيمي الملقب بـ”يوعري” حارس مرمى فريق الشباب بالنادي، لكن حادث سير منعه من استكمال مسيرته إلى الفريق الأول، وخلع قفازه إلى الأبد.
ظل الأب مرتبطا بالرجاء فترة تمتد لأكثر من نصف قرن عاصر خلالها مؤسسيه وحضر ألقابه، وكان حامل أمتعة اللاعبين ومعدات التدريب، منذ ستينيات القرن الـ20.
ويعترف رحيمي الوالد بأنه كان يحمل أملا خاصا، إذ قال في تصريحات صحفية: “لقد كان مجرد حلم، لكنني حلمت أنه في يوم من الأيام، سيلعب أحد أطفالي مع الرجاء”.
تزامنت ولادة ابن “يوعري” مع تتويج عملاق الدار البيضاء ببطولة الدوري عام 1996، ومن فرط فرحته فكّر أن يُسمّي ابنه “بطل”، لكنه في النهاية اختار له اسم سفيان.
الابن الأصغر لـ”يوعري”، واسمه الحسين، لعب لمختلف الفئات السنية للنسور الخضر ووصل إلى الفريق الأول، بينما ورث الابن الأكبر، واسمه أمين، وظيفة والده مع النادي بعد أن تقاعد.
عاش سفيان رحيمي مع أسرته في منزل صغير داخل مقر ملعب الرجاء في “لوازيس”، وتمكن من إتمام دراسته الجامعية، وتأبى الأسرة أن تفارق ذلك البيت لأنه مقر ومستودع ذكرياتها.
بداية في بيت الرجاء
تمحورت حياة سفيان منذ طفولته في بيئة نادي النسور الخضر، مع ما كان يعنيه ذلك من التمتع بامتيازات وجود مركز تدريب احترافي كان يقضي فيه الجزء الأكبر من يومه.
نشأ على حب الرجاء، ولم يكن يفتقر إلى نماذج يحتذى بها حين كانت كرة القدم هي شغفه وطموحه، لتحقيق حلم عجز عنه أبوه.
كان نادي الرجاء جزءا من حياته اليومية، وهو يتابع نجومه من نافذة غرفة نومه طوال فترة طفولته وحتى سن المراهقة، وكان يختلط بالنجوم الكبار في غرفة تبديل الملابس.
دفعت تلك الأجواء بسفيان لاعبا صغيرا في مدرسة النادي لمدة سنتين، ومع فئة البراعم شغل مركز ظهير أيمن، وأحيانا جناح أيمن، وكان مواظبا على التدريبات، بينما قرّر والده ألا يتابع مبارياته حتى لا يؤثر على قرارات المدربين لفائدة ابنه.
وموازاة مع ذلك، تمت “مكافأة” الصبي بأن يكون جامعا للكُرات خلال مواجهات فريق الرجاء الأول في ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، وكثيرا ما ظهر في تقارير التلفزيون المغربي في لقطات “مسترقة” بالقرب من خط التماس أو وهو يركض مع اللاعبين فرحا بتسجيل هدف أو بتتويج، وكان حلمه دائما الاقتراب من نجوم النادي الأخضر.
سرعان ما وجد صعوبة في التوفيق بين دراسته والتدريب في ملعب “تيسيما” المخصص لفئات البراعم والبعيد عن مقر سكنه، كما أعجزته إصابة خطيرة تعرض لها على مستوى ركبته لمدة 3 أشهر، وخلال هذه الفترة تمكن من اجتياز امتحان المستوى الإعدادي بنجاح.
وعندما عاد إلى أجواء المباريات، واجتاز اختبارات التصعيد لفريق أمل الرجاء، عانى من تراجع كاد أن ينهي مسيرته قبل أن تبدأ، إذ شارك في مباراة وحيدة طوال الموسم.
وعندما ألحق رسميا بفريق الشباب عام 2017، فشل في إثبات وجوده وإقناع مدربيه بقدراته، بعد أن رشحه المدرب الأسبق للرجاء رشيد الطاوسي وفي أعقاب ذلك، تقرر الاستغناء عنه.
منعطف حاسم
اتخذت مسيرة الشاب الصغير منعرجا حاسما، عندما تم تشجيعه على الانضمام معارا لنادي نجم الشباب الرياضي، الناشط في دوري الهواة، لتطوير أدائه من جديد.
قدم الشاب في الـ20 من عمره مؤشرات واعدة على نجوميته مع الفريق تحت قيادة المدرب نور الدين حرّاف، وخاصة في الموسم الثاني، إذ سجل 17 هدفا في 28 مباراة.
تطور أداؤه بشكل لافت، وجلب انتباه المدرب جمال فتحي، المدير الرياضي الأسبق للرجاء، فمنحه فرصة العودة للفريق وخضع لاختبار إضافي، ومكنه من توقيع أول عقد احترافي مع النسور الخضر.
عاد رحيمي إلى “فريق القلب” -كما يسميه- في موسم 2018ـ2019، وتحت قيادة الإسباني خوان كارلوس غاريدو، مدرب فريق الرجاء آنذاك، الذي آمن بموهبته، وتم اختياره سريعا في التشكيلة الأساسية في البطولات القارية والمحلية.
تألق سفيان رحيمي في مباريات كأس الكونفدرالية الأفريقية التي توج بها الرجاء عام 2018، لكن إصابة خطيرة كادت تنهي مسيرته، وأبعدته مرة أخرى عن أجواء الملاعب فترة طويلة.
مهاجم الأخضر
كان التوفيق حليف “ولد يوعري” -كما تناديه أسرة نادي الرجاء- حين عاد إلى أجواء المباريات في مغامرته الثانية مع النادي، وأظهر مستويات قوية، وأصبح نجم الفريق.
وضعه المدرب غاريدو أمام اختبار صعب في أول ظهور له خارج أرضه في مدينة أبيدجان عاصمة ساحل العاج ضد نادي أسيك ميموزا.
وفاز الرجاء 1-0 بفضل ركلة جزاء القناص رحيمي، وبعد 5 أشهر، فاز مع الفريق بالمسابقة الأفريقية، وعندما كان يبلغ من العمر 21 عاما، أصبح نجما أفريقيا.
سجل أهدافا حاسمة في ملاعب النوادي الأفريقية المنافسة، وقدم 4 تمريرات حاسمة في طريقه إلى النهائي، وفي مباراة الذهاب ضد فيتا كلوب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، سجل هدفين، وفاز الرجاء 4-3 في مجموع المباراتين.
يتذكر غاريدو القصة الخيالية للطفل مع النادي الذي يسري حبه في عروقه، ويقول: “أنا سعيد حقا من أجله لأنه كان ناجحا للغاية”.
لمع نجم رحيمي في صفوف النادي الأخضر، وقاده إلى لقب السوبر الأفريقي على حساب الترجي التونسي، ثم الدوري المغربي عام 2020، بعد منافسة قوية مع جاره وغريمه التقليدي نادي الوداد الرياضي وكذا نادي نهضة بركان.
وتألق رحيمي على المستوى العربي بعد أن قاد الرجاء لحصد لقب بطولة كأس محمد السادس للأندية العربية البطلة، واختتم مشواره بلقب قاري حين قاده للتتويج بكأس الكونفدرالية الأفريقية مرة أخرى عام 2021.
“من الناحية الفنية، سفيان لديه كل الخصائص التي تريدها”، يقول غاريدو، ويضيف: “سرعته وقوته بقدمه اليمنى واليسرى. يرى التمريرات الصحيحة ويمكنه تنفيذها. إنه مُركز ومقاتل”.
ويتابع وهو يشيد ببراعة رحيمي: “ما أعجبني هو أنه يمكنك اللعب به في كل مركز عبر الخط الأمامي، اليسار أو اليمين، أو من في وسط الميدان… لديه هذا الذكاء التكتيكي وهو يعمل بجد”.
الملاحظة رددها مدرب آخر سابق للرجاء، هو جمال السلامي حين قال: “لقد أصبح لاعبا مثاليا للآخرين، لما حققه وبسبب تركيزه على ما هو مطلوب منه للذهاب بعيدا”.
أما مدربه الأسبق في منتخب المغرب للمحليين الحسين عموتة فيقول عنه: “لديه غريزة مفترسة أمام المرمى.. لم يولد بهذه الغريزة، لكنه أتقنها من خلال العمل الشاق”.
وكشف عموتة أن النجم الواعد، كان أول من يصل دائما للتدريب، وأول من يصطف أمام المرمى، محاولا تجريب مجموعة من المهارات المختلفة.
أما شقيقه الحسين رحيمي فيقول إن سفيان “مبعث فخر للعائلة لأنه انطلق من الصفر ولامس المجد والنجاح”.
قائد العين في آسيا
انضم سفيان في عمر 25 عاما إلى صفوف “الزعيم العيناوي” في أغسطس/آب 2021 مقابل 2.7 مليون يورو في عقد يمتد إلى 2025.
وبصم في المواسم الثلاثة التي لعبها على مستويات جيدة، إذ لعب 100 مباراة، سجل خلالها 43 هدفا، وقدم 36 تمريرة حاسمة.
وفي موسم 2021-2022، سجل “الأسد الأطلسي” في بطولة الدوري 11 هدفا وقدَّم 11 تمريرة حاسمة، وأسهم في فوز “الزعيم” ببطولتي الدوري الإماراتي وكأس رابطة المحترفين.
وفي موسم 2022 -2023، سجل 8 أهداف وقدَّم 9 تمريرات حاسمة لزملائه، لكن النجم “العيناوي” ارتقى في أرقامه خلال موسم 2023-2024، بعدما غير المدرب هيرنان كريسبو مركزه من الجناح إلى قلب الهجوم.
وفي مركزه الجديد، سجل الدولي المغربي 7 أهداف وصنع تمريرتين حاسمتين في الدوري، وتربع على عرش الهدافين في دوري أبطال آسيا برصيد 13 هدفا، وصنع 3 أهداف.
وبعد 3 سنوات في أبو ظبي، ساهم في تتويج العين بلقبه الثالث في دوري أبطال آسيا والغائب عن خزينته منذ عام 2003.
وسجل أهدافا حاسمة في المسابقة، ونجح في هز شباك عمالقة آسيا، أبرزها ثنائية ضد النصر السعودي بقيادة نجمه البرتغالي كريستيانو رونالدو.
وقال سفيان: “عندما كنت صغيرا وألعب كرة القدم، كان كريسبو هو اللاعب الذي اخترته لأكون مثله”، مضيفا: “لم أتوقع أبدا أن ألتقي به وأنه في يوم من الأيام سيكون مدربي”.
وفي غمرة تألقه صرح: “كان لدي طموح للوصول إلى قمة اللعبة كلاعب، لكنني لم أتوقع أن أكون اللاعب المتميز”، ويؤكد أن السر في ذلك كان “من خلال العمل الجاد، بفضل دعوات والدي، ثم أولا وأخيرا بدعم من الله”.
واختير سفيان رحيمي أفضل لاعب في الدوري المحلي الإماراتي خلال عامي 2022 و2023، سواء على المستوى الرسمي أو عبر تصويت الجماهير.
مع منتخب المغرب
دخل رحيمي حسابات منتخب أسود الأطلس، عندما جلب انتباه المدرب الأسبق للمغرب البوسني وحيد خليلوزيتش، والذي أبدى إعجابه بإمكانات اللاعب الهجومية، ودعاه للمشاركة في معسكر تدريبي وفي مباراة مع أفريقيا الوسطى ضمن منافسات كأس الأمم الأفريقية.
كان رحيمي أيضا بطل رحلة تتويج منتخب المغرب للمحليين بكأس أفريقيا في 2020 بالكاميرون، وأنهى البطولة كأفضل لاعب ونال لقب الهداف برصيد 5 أهداف.
يتذكر سفيان كلمات نجم الكاميرون السابق صامويل إيتو، عندما قال له: “استمر في العمل الجاد، أنت مستقبل كرة القدم في أفريقيا”.
وكان مَطلبًا جماهيريا ليكون مع “أسود الأطلس”، لكنه ظل خارج تشكيلة المدرب وليد الركراكي لمنافسات كأس العالم في قطر عام 2022 وكأس الأمم الأفريقية 2023 في ساحل العاج.
وبعد قرابة عامين من الغياب، عاد رحيمي إلى صفوف المنتخب المغربي، في مارس/آذار الماضي لخوض مواجهتين مع أنغولا وموريتانيا.
وضد أنغولا قاد المغرب للفوز 1-0 بعدما صنع الهدف الوحيد، والذي سجله ديفيد كارمو لاعب الخصم في مرماه.
عندما تم اختياره من دون السن الأولمبي، بعد تعذر مشاركة نجم ريال مدريد إبراهيم دياز، ارتدى المهاجم المغربي البالغ 28 عاما ثوب البطل، وحقق العديد من الأرقام القياسية في مشاركته الأولى في الأولمبياد مع منتخب بلاده في باريس 2024.
ساهم رحيمي في تحقيق المغرب أول ميدالية برونزية في تاريخه بهذه المنافسات، وكاان هداف البطولة بـ8 أهداف، كما أنه كان الأكثر مساهمة في الأهداف.
شارك في 26 مباراة دولية بقميص أسود الأطلس منذ عام 2020، وقفزت قيمته السوقية من 6 ملايين يورو إلى 8 ملايين يورو بعد مشاركته في الأولمبياد، بحسب موقع “ترانسفير ماركت” العالمي، ومن المرجح أن تتجاوز حاجز 10 ملايين يورو، وفق عدة تقارير.
أرقام قياسية
- الهداف التاريخي لمنتخب المغرب في الأولمبياد، متجاوزا مواطنه أحمد فرس الذي يمتلك 3 أهداف، وسجلها في نسخة ميونخ 1972.
- أول لاعب عربي وأفريقي يتوج بجائزة هداف الأولمبياد.
- أول من سجل أهدافا ضد منتخبات من 5 قارات مختلفة في نسخة واحدة، في تاريخ الأولمبياد على مدى 124 عاما.
- عادل رقما صامدا منذ 59 عاما للمصري إبراهيم رياض الذي سجل 8 أهداف في نسخة طوكيو 1964.
- اختاره موقع “سوفاسكور”، المتخصص في الأرقام والإحصائيات، ضمن التشكيلة المثالية للجولة الأولى من الأولمبياد، بعد تألقه أمام الأرجنتين.
- أكثر من حصل على ركلات جزاء في نسخة أولمبياد 2024 (4 ركلات) وحقق رقما نادرا بإحرازه ثنائيتين في مرمى منتخبين مختلفين.
- أول لاعب مغربي في التاريخ يتوج بلقب دوري أبطال آسيا.
- أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في نسخة واحدة من دوري أبطال آسيا، وتساوى مع البرازيلي موريكي (غوانغزو الصيني نسخة 2013)، وأدريانو (إف سي سول الكوري الجنوبي 2016)، والجزائري بغداد بونجاح (السد القطري 2018).
بطولات وألقاب
حقق رحيمي حتى الآن 10 ألقاب في مسيرته الكروية، في كل الدوري المغربي والدوري الإماراتي، ومع منتخب المغرب:
- لقبان مع منتخب المغرب: توج ببرونزية أولمبياد باريس 2024، وبلقب كأس أمم أفريقيا للمحليين في عام 2020.
- 5 ألقاب قارية مع الرجاء: الدوري المغربي (2020)، كأس الكونفدرالية الأفريقية عامي 2018 و2021، السوبر الأفريقي (2019)، كأس العرب للأندية (2020).
- 4 ألقاب مع العين الإماراتي: دوري المحترفين الإماراتي (2022)، كأس رابطة المحترفين عام 2022، دوري أبطال آسيا 2024.
أبرز الألقاب الفردية
- هداف أولمبياد باريس 2024 (8 أهداف).
- أفضل لاعب وهداف كأس أفريقيا للمحليين عام 2020 (5 أهداف).
- أفضل لاعب في نهائي كأس الكونفدرالية الأفريقية عامَي 2018 و2021.
- أفضل لاعب في الدوري المغربي عامي 2020 و2021.
- أفضل لاعب في الدوري الإماراتي من رابطة المشجعين مرتين عامَي 2022 و2023.
- أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا 2024.