سياسة

روسيا.. “العملاق النووي” المتعثر في الحروب البرية | أخبار

RTXG9JRT-1684045442 روسيا.. "العملاق النووي" المتعثر في الحروب البرية | أخبار
طائرة “سو-35” لم تحقق التفوق الجوي المرجو في بداية العمليات العسكرية (رويترز)

أوهام القوة وجذور الخلل

يشير تقرير موسع لمعهد أبحاث السياسات الخارجية بعنوان “جذور الخلل العسكري الروسي” (مارس/آذار 2023) إلى أن “الرهاب الروسي التاريخي تجاه عملية صنع القرار اللامركزية لقرون من الزمان تجلى في الافتقار إلى هيئة ضباط صف فعالة، وهيئة ضباط غير قادرة على العمل دون توجيه أعلى، ونظام عسكري يركز على تقديم وهم القدرة القتالية بدلا من التعلم من التجربة والخطأ”.

ويرى التقرير أن الجيش الروسي طبق في غزو أوكرانيا تقريبا التكتيكات والخطط العسكرية نفسها التي “انتقلت من تقاليد الجيش الإمبراطوري الروسي إلى الجيش الأحمر السوفياتي، حيث كان الالتزام بالأوامر هو الأهم على المبادرة أو حتى الفطرة السليمة”، وهي التكتيكات والخطط التي اعتمدها في غزو أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 1979، أو حتى قبل ذلك أثناء التدخل في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس/آب 1968.

ويُرجع التقرير الخسائر التي مني بها الجيش الروسي -رغم تقدمه إلى تخوم كييف في بداية الحرب- إلى غياب خطة واضحة وشاملة، وخصوصا إلى فشل الضباط في إظهار الحسم والمبادرة وإنجاز المهام القتالية أثناء المعارك وعدم التكيف مع المتغيرات، وانتظار الأوامر والتوجيه من كبار القادة، والتصرف بشكل روتيني دون مراعاة طبيعة المناخ والتضاريس والموقف القتالي والتردد في المناورة بقواتهم”، وهو الخطأ الذي ارتكب في حرب أفغانستان وكلف الجيش السوفياتي غاليا.

كان الغزو الأولي لأوكرانيا -وفق التقرير الذي كتبه فيليب فاسيليفسكي مدير مركز دراسات الاستخبارات والحرب غير التقليدية التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية- متسقا مع الماضي العسكري الروسي، حيث تم وضع الخطة بشكل فوقي بمعزل عمن سينفذها ميدانيا، وعندما لم تسر العمليات العسكرية وفقا للخطة، كان القادة على جميع المستويات غير قادرين على التكيف مع موقف يتحدى توقعاتهم. “وبدلاً من الارتجال، تم سحب الوحدات القريبة من كييف ونقلها إلى دونباس لتنفيذ خطة أخرى تم صياغتها من الأعلى”.

ويخلص التقرير إلى أن تلك الصعوبات المتأصلة في الجيش الروسي قوّضت ما كان من المفترض أن يحققه دون تلك الخسائر الكبيرة في أول صراع رئيسي له في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وقد أدى العجز العسكري إلى تعقيد جهوده خلال المعركة، حيث بقيت روسيا عالقة في تاريخها، في حين تبتعد أوكرانيا عنه، وفق تقييمه.

RC2DS1AJEV6K-1688331180 روسيا.. "العملاق النووي" المتعثر في الحروب البرية | أخبار
يفغيني بريغوجين وجه انتقادات لاذعة للجيش الروسي وقادته قبل تمرده ثم مقتله (رويترز)

ورغم أن التقرير يحمل وجهة نظر غربية قد لا تكون محايدة، فقد صدرت أيضا انتقادات كثيرة لأداء الجيش الروسي من الداخل، خصوصا من زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين الذي اتهم كبار القادة بعدم الكفاءة وسوء التخطيط والجيش الروسي بالضعف، وطالب بإقالة وزير الدفاع آنذاك سيرغي شويغو (وكان ذلك من أسباب تمرده المعلنة)، كما صدرت أيضا تلك الانتقادات عن رمضان قديروف الموالي لروسيا والمشارك بقواته في الحرب.

وأظهرت المعارك كيف لعبت قوات فاغنر، مع ارتباك الجيش النظامي الروسي، دورا حاسما في تثبيت الجبهات، وفي العمليات الكبرى والمفصلية بحرب أوكرانيا، حيث استولت فاغنر على مدينة باخموت وواجهت أشرس المعارك، كما كان لفصيل “قوات أحمد” الشيشانية التابعة لرمضان قديروف دورا مهما في العمليات الهجومية والدفاعية.

ويرى خبراء عسكريون أن إقالة رئيس الأركان سيرغي سوروفيكين في يناير/ كانون الثاني 2023 بعد نحو 3 أشهر من تولي قيادة “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا وتعيين رئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف دليلا على ضعف إدارة المعركة. كما جاءت إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو في 12 مايو/ أيار 2024 وتعيين الخبير الاقتصادي أندريه بيلوسوف كمحاولة لتلافي الأخطاء وأوجه القصور في الأداء العسكري خلال الحرب.

ويلحظ خبراء عسكريون أن “ثغرة كورسك”، التي سبقها وفق تقديرهم تخطيط مركّز يتجاوز قدرات الجيش الأوكراني المنهك، واستعملت فيها أسلحة غربية متقدمة وتكتيكات متطورة، ناجمة أيضا عن كل تلك الأسباب ونقاط الضعف المذكورة والقصور الواضح في خطوط الدفاع للجيش الروسي بمختلف أذرعه، وعيوب خطيرة في الاستطلاع والرصد والإنذار المبكر والاتصالات ورد الفعل السريع، وتجنب الهجمات المفاجئة وسرعة التصدي لها.

Fek2zQeX0AE8XXi روسيا.. "العملاق النووي" المتعثر في الحروب البرية | أخبار
آثار الدمار الذي لحق بجسر كيرتش في شبه جزيرة القرم جراء قصف أوكراني (مكسار)

وقد ظهرت هذه العيوب سابقا في عمليات أوكرانية مفاجئة، بينها تدمير طراد موسكفا الحربي -أحد أبرز القطع الحربية الروسية-، وضرب موسكو بالطائرات المسيرة والهجمات المتكررة على جسر شبه جزيرة القرم وتدمير قاذفات إستراتيجية (تو- 22) في مطارات تبعد أكثر من 300 كيلومتر.

وكانت تلك الاختراقات -رغم إمكانية حدوثها من الناحية العسكرية- محرجة للجيش الروسي، الذي يتباهى بامتلاك أسلحة دفاعية وهجومية لا مثيل لها، من المفترض أنها معدة لحرب من عدة جبهات مع حلف الناتو. ولم تظهر تأثيرات تلك الأسلحة في الحرب، مثل دبابة أرماتا (تي-14) وطائرة “أوخنتيك” المسيرة الثقيلة، ومنظومات الدفاع الجوي (إس-400 وإس-500) وصواريخ تسيركون ومنظومة التشويش والحرب الإلكترونية عالية الأداء “كراسوخا-4″، وغيرها من الأسلحة التي ظهرت في الاستعراضات العسكرية ولم تظهر في الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى