حراك الطلاب في بنغلاديش يطلق “أسبوع مقاومة” ضد “الثورة المضادة” | سياسة
داكا- أطلق “الحراك الطلابي ضد التمييز” في بنغلاديش الذي قاد المظاهرات خلال الأسابيع الماضية ما سماه “أسبوع المقاومة” للتأكيد على مطالب أبرزها الإصلاح الإداري والقانوني في الدولة.
وقال الناشط الطلابي “أختر حسين” للصحفيين إن “هناك محاولات لإفشال ثورتنا من خلال ثورة مضادة، وقد أعلنا أسبوع المقاومة هذا لمواجهة ذلك”، في حين قال غلام مشكاة تشودري -وهو منسق آخر في الحراك الطلابي- إن حزب رابطة عوامي “ما زال يحلم بالرجوع إلى السلطة بالدماء ولكننا سنقاوم ذلك”.
وفي مقدمة مطالب الطلاب في أسبوعهم هذا، تشكيل محكمة للتعجيل بمحاكمة المتهمين بمقتل مئات في المواجهات التي آلت إلى استقالة الشيخة حسينة رئيس الوزراء السابقة وسفرها إلى الهند الأسبوع الماضي، متهمين المسؤولين بارتكاب “مذبحة” حسب تعبيرهم.
وطالب سارجيس علم وحسنات عبد الله، وهما من منسقي الحراك الطلابي، بمحاكمة قادة حزب رابطة عوامي الحاكم سابقا وغيرهم من الأطراف السياسية الحليفة معهم في التخطيط، حسب قولهم، والتدبير للاعتداءات التي حصلت بحق الأقليات، وأن يتم التعامل مع الحقوق المشروعة للأقليات من قبل الحكومة المؤقتة.
وتشمل المطالب أيضا إقالة كل المسؤولين في الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية ممن “شرّعوا المحاكمات والقتل خلال الحراك الطلابي” حسب بيانهم، وأن يلقى كل من حوكم ولاقى “تمييزا” فرصا قانونية متساوية للدفاع عن نفسه.
ولا يبدو الطلبة وحدهم في هذا المسار، فالحزب الوطني المعارض، الذي كان حاكما قبل حزب رابطة عوامي، قدم خطابا إلى مقر الأمم المتحدة في داكا يطالب بتحقيق دولي غير حزبي فيما وصفه بـ”القتل الجماعي” من قبل الحكومة السابقة خلال المظاهرات.
أما وزير العدل في الحكومة المؤقتة، عاصف نذرول، فقد أشار إلى أن حكومته ستبادر إلى تشكيل محكمة وصفها بالدولية، وأنها تسعى لأن يعمل محققوها تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي المقابل سيتم سحب كل القضايا المرفوعة خلال الأسابيع الماضية ضد المتظاهرين مع نهاية الشهر الجاري حسب قوله.
الأكثر دموية
ورفع محامون بنغلاديشيون آخرون أمس الثلاثاء قضية ضد الشيخة حسينة بتهمة قتل المواطن أبو سعيد، الذي اشتهرت قصة مقتله وسجلتها عدسات التلفزة منتصف يوليو/تموز الماضي، وذلك في ذروة الاحتجاجات والمواجهات بين الطلاب والمعارضين من جهة، والشرطة والقوات الأمنية ونشطاء حزب رابطة عوامي من جهة أخرى.
وتعد هذه أول قضية ترفع ضد الشيخة حسينة وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين السابقين منذ أن أسقطتهم المظاهرات الدامية الأسبوع الماضي.
ولم تصدر أي أرقام من جهة رسمية تحصي عدد القتلى وحتى الجرحى في الأحداث الأخيرة في بنغلاديش، لكن إحصائية أعدتها صحيفة “بروتومو آلو” المحلية أشارت إلى أن عدد القتلى بلغ 580 شخصا بين 16 يوليو/تموز و11 أغسطس/آب. لتكون هذه أكثر الأيام دموية في تاريخ بنغلاديش منذ استقلالها عام 1971 حسب مؤرخين.
وحسب الصحيفة، فقد قتل 111 شخصا في الرابع من أغسطس/آب الجاري وحده، و108 أشخاص في الخامس من الشهر نفسه، وهو يوم استقالة الشيخة حسينة وسفرها إلى الهند، و107 أشخاص في اليوم التالي.
وأشارت الصحيفة إلى أن معظم الضحايا من الطلاب، إلى جانب عشرات من الشرطة ومؤيدي حزب رابطة عوامي الحاكم سابقا، والحزب الوطني المعارض ومواطنين، وأوضحت أن 78% من بين عينة تضم 212 قتيلا من مجموع الضحايا أصيبوا برصاص قاتل.
موجة تغييرات
اللافت أنه إثر استقالة أو إسقاط الشيخة حسينة، تعصف بالمؤسسات الأمنية والعسكرية في بنغلاديش موجة تغييرات غير مسبوقة منذ نحو عقدين وفي آن واحد، حيث تم تغيير نحو 30 ضابطا مسؤولا في المؤسسة الشرطية، ومن أبرزهم رئيس الفرع الخاص بالشرطة، وهو من أهم الوحدات، وصولا إلى المفتش العام للشرطة، ومفوض شرطة داكا الذي أحيل إلى التقاعد.
وشملت التغييرات مدير قوات التدخل السريع، ومدير معهد الجيش للعلوم والتكنولوجيا، ومديري الكلية والأكاديمية العسكريتين، والإدارة العامة للمخابرات العسكرية، وإدارة مخابرات الأمن الوطني، ومدير قوات الأنصار والدفاع الريفي، وتعد من أكثر القوات الرسمية شبه العسكرية عددا في العالم؛ حيث يصل عدد عناصرها الفاعلين والاحتياط فيها إلى 6 ملايين عنصر وتتبع وزارة الداخلية.
وقال نظم الإسلام مساعد المفتش العام للشرطة البنغلاديشية لشؤون الصحة والرعاية والتقاعد إنه تم تشكيل لجنة لإعادة تقديم الشرطة للمواطنين بزي رسمي وشعارين جديدين “بسبب تزايد عدم الثقة بين الناس تجاه الشرطة”، وستكون هذه اللجنة برئاسة محمد عطاء الكبرياء نائب المفتش العام للشرطة البنغلاديشية.
ويقر محمد معين الإسلام المفتش العام الجديد للشرطة الذي تم تعيينه قبل أيام بأن الكثير من عناصر الشرطة قتلوا وجرحوا وعذبوا بسبب “بعض الضباط غير المهنيين والمفرطين في طموحهم”، وأنهم “خرجوا عن قواعد الشرطة المهنية وانتهكوا حقوق الإنسان”، مضيفا أنه “بسببهم حدث هذا العنف وسقط هؤلاء الضحايا”.
ووعد معين الإسلام بالتحقيق في كل حادثة قتل، معتذرا للمواطنين عن تقصير الشرطة وعدم أدائها مسؤولياتها حسب المأمول خلال الحراك الطلابي “المنطقي” -كما وصفه- ضد التمييز.
ووصلت ملاحقة رجال النظام السابق من قبل الحركة الطلابية إلى القضاء، حتى أجبروا قاضي القضاة وعددا من زملائه على الاستقالة قبل أيام.
ويقول قاضي القضاة الجديد سيد رفعت أحمد، والذي استلم رئاسة محكمة التمييز أعلى محاكم البلاد أيضا قبل أيام، إن “سياسة القمع كانت سائدة لا روح العدالة التي دمرت خلال سنوات”، مؤكدا على نهاية “عهد القمع”، وحذر القضاة -وقد استقال بعض قضاة دائرة الاستئناف قبل أيام- من أن يقعوا في الأخطاء مجددا حسب تعبيره، وحيا الطلاب على “إطلاقهم حركة يقظة عظيمة في وجه اللامساواة”.
اعتقالات
وخلال الأيام الماضية استمرت أيضا حملات الاعتقال بحق مسؤولين سابقين آخرهم وزير العدل السابق أنيس الحق، والمستشار الاقتصادي للشيخة حسينة ورجل الأعمال سلمان فرحان، كما تم إلقاء القبض قبل ذلك على حسن محمود وزير الخارجية وجنيد أحمد بالاك وزير البريد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي يتهمه الحراك الطلابي بالوقوف وراء الأمر بقطع بث شبكة الإنترنت عن المواطنين خلال فترة الاحتجاجات.
وكانت تحقيقات أولية كشف عنها محي الدين أحمد رئيس هيئة تنظيم الاتصالات أظهرت أن الوزير جنيد أحمد بالاك هو من أمر شفهيا بقطع بث الإنترنت في عموم البلاد لأكثر من مرة منذ 17 يوليو/تموز الماضي وحتى إسقاط حكم الشيخة حسينة في الخامس من أغسطس/آب، وأن الأمر ليس له علاقة بحادثة إحراق المركز الوطني للمعلومات الذي قيل رسميا حينها إن قطع الإنترنت كان بسببه حسب تقرير المسؤول الجديد.
واللافت أن هذه الوزارة المسؤولة عن بث الإنترنت، قد سُلمت في حكومة محمد يونس المؤقتة لمحمد ناهد إسلام، وهو من أشهر منسقي الحراك الطلابي، الذي شكل بدوره لجنة تحقيق للكشف عن تفاصيل قطع الإنترنت الذي لم يحدث مثله في بنغلاديش سابقا.
أما وزير الإعلام البنغلاديشي محمد علي عرفات وأبرز المتحدثين باسم الحكومة السابقة للشيخة حسينة فقد واجه وأفراد أسرته تجميدا لحساباتهم البنكية من قبل وحدة الاستخبارات المالية البنغلاديشية.
وأقر قائد الجيش الجنرال وقار الزمان بأن الجيش وفر الحماية لعدد من الوزراء وأعضاء البرلمان السابقين لحمايتهم من التهديدات ولمنع وقوع أعمال قتل خارج إطار القانون، حسب قوله.