باحث يرصد الأسباب وراء نتائج برامج تشغيل الشباب بالمملكة المغربية
برغم من أهمية برامج التشغيل التي يقوم المغرب، والمُعدّة لتوفير فرص عمل لفئات الشباب، إلا أن هذه الفئات لا تزال تعاني نسبة كبيرة من البطالة ؛ كانت هذه أبرز خلاصات ورقة بحثية حديثة (9 فبراير 2023) والتي نشرتها مبادرة الإصلاح العربي مؤسسة بحثية–فكرية مستقلة مقرها باريس.
و برامج التشغيل أثبتت عدم فعاليتها وتفاقمت بسبب بيئة العمل غير المستدامة، قبل أن تقدّم بعض التوصيات كي تتمكن الإصلاحات المخطط لها في قطاع تشغيل الشباب من الوفاء بما تعد به، على حد تعبير مؤلفها.
حيث أن الورقة المنشورة رقميا باللغتين العربية والإنجليزية في سلسلة “بوادر” الصادرة عن “Arab Reform Initiative”، للباحث إسماعيل آيت باسو، باحث دكتوراه في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، خلصت إلى أن بعض هذه البرامج المعدّة لتعزيز تشغيل الشباب وحاملي الشهادات، مثل برامج: إدماج، وتأهيل، وتحفيز، التي وعدت بتجاوز سقف 100 ألف إدماج سنويا، لم تساهم في خفض معدلات البطالة العامة وفي صفوف هذه الفئة بالتحديد.
تفضيل العام على الخاص :
سجل آيت باسو تبايُن الامتيازات وظروف العمل في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، مبرزا تأثير ذلك في اختلال موازين الإدماج الاقتصادي للشباب في سوق الشغل”، قبل أن يتساءل ضمن فقرة خاصة من ورقته البحثية: لماذا يفضل الشباب القطاع العام؟.
في محاولة للإجابة، يكشف الباحث من خلال إجرائه مقابلات فردية وجماعية خلال شهر يوليوز 2022 مع مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل، رغبة هؤلاء في الولوج إلى الوظيفة العمومية عوضا عن القطاع الخاص، وذلك نظرا للامتيازات المادية والاستقرار الوظيفي الذي يوفره القطاع العام، من قبيل عقود عمل غير محددة الأجل، والمنح والتعويضات العائلية، ونظام الأجور والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الإدارات لموظفيها.
ومن أسباب تفضيل الشباب المغاربة للتشغيل بالقطاع العام، رصد الباحث أيضا ما توفرُه مؤسسات الأعمال الاجتماعية التابعة لكل قطاع على حدة من الإعانات المباشرة للموظفين الذين يساعدون أفراد أسرهم من ذوي الإعاقة، والمصابين بأمراض مزمنة، وتسهيلات مالية في الحصول على السكن ….
في المقابل، تصعب المراهنة على القطاع الخاص؛ لكونه غالبا ما يركز على الجشع وتحقيق الأرباح على حساب موظفيه، ولا يضع استقرارهم كأولوية قصوى، ما يجعله مجالا مفتوحا لعقود العمل المؤقتة (CDD) أكثر من العقود غير محددة الأجل (CDI) ، يسجل كاتب الورقة.
وسبب آخر يورده آيت باسو هو عدم تصريح بعض المقاولات والمُشغِّلين بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، رغم أن التصريح يعتبر إلزاما قانونيّا وليس اختياريا”، مستدلا بأرقام دالة: إذ لم يُصرَّح بأكثر من 16 ألفا و600 أجير خلال 2020، في ظل ضعف الرقابة القانونية لمفتشية الشغل على المقاولات في الالتزام بمسؤوليتها تجاه العمال والأجراء.
هذا التوجه الذي يسلكه الشباب، يقول الباحث، “يظهر بشكل جلي كل سنة من خلال تقدُّم أعداد كبيرة لاجتياز مباريات الوظيفة العمومية، مقارنة بعدد الوظائف المستحدَثة حسب كل قطاع”، مستعرضا معطيات أوردها عن بعض المباريات بعدد من القطاعات الوزارية.
ضعف في النجاعة وعدم الاستدامة :
ومن بين أبرز خلاصات الورقة البحثية سالفة الذكر أن برامج التشغيل المعتمدة بالمغرب مؤقتة وغير مستدامة، وأظهرت ضعف نجاعتها من حيث الإدماج الاقتصادي للشباب، وعدم شمولها جميع الشباب أو استجابتها لاحتياجاتهم وتطلعاتهم المهنية .
فضلا عن ذلك، سجل الباحث أنها لا تؤمِّن لفئات الشباب-لاسيما حاملي الشواهد-الحماية الاجتماعية بالشكل الكافي والفعال والشامل كما يجب، رغم أن منفذيها من المنظمات الدولية يعتقدون أنها كذلك.
والورقة ذاتها عدّدت عوامل ارتفاع عدد المترشحين مقارنة بعدد الوظائف المتوفرة ، في محدودية آثار ونتائج السياسات العمومية المعتمدة لخلق فرص العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية للأشخاص العاطلين عن العمل، سواء على مستوى الموارد أو الرؤية الاستراتيجية أو الفعالية، قبل أن يخلص كاتبها إلى أن المغرب لم يوقّع على معايير منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحماية الاجتماعية في مجال التشغيل، لاسيما الاتفاقية رقم 102 بشأن المعايير الدنيا للحماية الاجتماعية .
فعدم ربط التكوين بالتشغيل المنتِج، عامل آخر ساهم أيضا، حسب الباحث، في خلق فجوة وهاجس للشباب في ما يمكن أن يستثمروا فيه إمكانياتهم وقدراتهم لتتويج مجهوداتهم وتضحياتهم في سبيل تحقيق أحلامهم والاستقرار لمحيطهم الاجتماعي.
كما وصف المصدر ذاته برامج الحكومات المتعاقبة لتشغيل الشباب بأنها تحفيزية غير فعالة، في ظل بيئة عمل غير ملائمة.
خلاصة وتوصيات :
خلصت ورقة الباحث إلى أن مشكلة تشغيل الشباب المغربي تكشف تعدد الفاعلين المؤسساتيين من القطاعين العام والخاص، وضعف التقائية السياسات العمومية في مجال التشغيل، وتنوع آثارها الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في فقدان الثقة في المؤسسات والنخب السياسية، وغياب الاستقرار الاجتماعي للشباب، والعمل في القطاع غير المهيكل، وتفكير الشباب في الهجرة نحو الخارج لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم المهنية .
وأوصت بأن “سيرورة الإصلاح المستقبلية التي تنادي بها الحكومة الحالية تتطلب إصلاحات مؤسساتية لرفع مؤشر مناخ الأعمال، ومواكبة النمو الديمغرافي والاستثمار في الرأسمال البشري لتحقيق التنمية”، مقترحة مسارا بدءا بـاستبدال سياسات التشغيل المجزّأة بأخرى أكثر تناسقا وشمولا وحساسية للأثر الاجتماعي .
كمااقترحت الورقة إيلاء أهمية كبرى لأربعة مستويات أساسية تتمثل في “التشبّع بثقافة المقاولة الذي لا يمكن حصره في سنة أو أقل من الدراسة في الجامعة كخيار موازٍ، بل يجب إدراجه انطلاقا من المستوى الإعدادي لتنمية الحس الإبداعي للأطفال”، وأيضا إعادة النظر في امتيازات وتحفيزات عقود العمل في القطاع الخاص بما يوازي امتيازات القطاع العام لتخفيف الضغط على هذا الأخير.
ودعا الباحث إلى “تسريع وتيرة الإصلاح الضريبي وتسهيل القوانين الإدارية ورقمنتها”، وإحداث مؤسسة وطنية توحد مختلف الفاعلين في سياسات تشغيل الشباب، تناط بها مهام إعداد وتتبع وتقييم برامج التشغيل، مع فسح مجال أوسع للشباب للمشاركة في هذه الدينامية لضمان الاستجابة لحاجياتهم لخلق الثروة، وعدم الاكتفاء بتوفير فرص العمل، ضمن إطار نظام حماية اجتماعية فعال ومستدام.