أبرزها “هيرميس” و”هيلفاير”.. تعرف على أسلحة الاغتيالات الإسرائيلية | سياسة
في اليوم الذي أعقب استشهاد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في طهران، ازدادت التكهنات حول الطريقة التي نفذ بها جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية الاغتيال. فمن التصريحات الإيرانية التي قالت إن العملية حدثت نتيجة استهداف من خارج البلاد، مرورًا بحديث وسائل إعلام أجنبية عن عبوة ناسفة زُرعت في مقر إقامة هنية وفُجرت عن بعد، إلى الحديث عن مسيرة إسرائيلية اخترقت الأجواء الإقليمية وأطلقت صاروخًا استهدف ضيف إيران في يوم تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان.
يشير هذا الاختلاف في التقارير الإخبارية وتكهنات المحللين وتصريحات الدبلوماسيين إلى حقيقة رسختها الممارسات الإسرائيلية عبر اغتيالاتها المتعددة، منذ تأسيس دولة الاحتلال، وربما منذ بدء نشاط العصابات الصهيونية في فلسطين زمن الانتداب البريطاني. فقد نفذت إسرائيل الرسمية، والعصابات التي أسست الدولة، مئات عمليات الاغتيال التي قُدرت ب2700 عملية بين 1948 و 2018، تعددت فيها وسائل الاستهداف والقتل.
اقرأ أيضا
list of 2 items
أحجار على رقعة التجسس.. كيف شكّلت الاستخبارات الشطرنج الروسي؟
الخروج من عباءة مودي.. لماذا تخاف الهند من انتفاضة بنغلاديش؟
end of list
أما الاعتبارات الأخلاقية التي تنتهكها عملية الاغتيال هذه وغيرها، فهي أعصى على أن تُحصى في مقال واحد. لكن لعل أهم تلك المبادئ والاعتبارات هي الحق في الحياة، والسيادة ومبدأ عدم التدخل، وحكم القانون، واحتمالية اتساع الصراع، والأثر على المدنيين، وانعدام المساءلة، وأخيرًا وليس آخرًا، نزع الأنسنة عن الضحية والانفصال الأخلاقي التام بين منفذي العمليات وضحاياهم. وإذا كانت الممارسات الإسرائيلية بعيدة منذ اليوم الأول عن كل هذه الاعتبارات والمبادئ، فإن هذا لا يقلل من أهميتها كنقطة مرجعية للاحتكام إليها، خاصة في ظل احتمال توسع الصراع ودخول أطراف دولية وإقليمية أخرى قد تكون شعوبها أكثر قدرة على التأثير في حكوماتها ونخبها السياسية لإجبارها على الالتزام بتلك المبادئ، جزئيا أو كليا.
ما أسلحة الاغتيال الإسرائيلية؟
على مدار سنوات طويلة، كانت غالبية الاستهدافات الإسرائيلية تحدث بشكل أساسي عبر الطرق التقليدية، مثل القتل المباشر (عبر مسدس أو بندقية قناصة) بيد عملاء استخبارات أو جواسيس، أو من خلال التسميم. أضف إلى ذلك وحدات العمليات الخاصة للاغتيالات مثل “سايرت ماتكال” أو “شايطيت 13” أو “دوفدفان”، وهي معروفة بالاغتيالات السرية.
إلى جانب ذلك، استخدمت إسرائيل العبوات الناسفة في عمليات الاغتيال لعدة أسباب، حيث يسهل تصنيعها من مواد مختلفة وتصميمها للانفجار بطرق متعددة، مما يجعلها قابلة للتكيف مع سيناريوهات الاغتيال المختلفة، وهي سهلة التنفيذ ولا حاجة إلى تهريب مكوناتها من الخارج، أو على الأقل يسهل تهريبها مقارنة بأي سلاح يمتلك القوة التدميرية نفسها.
أضف إلى ذلك أن العبوات الناسفة، كونها يدوية الصنع وتتشكَّل في صور عدة، بلا بصمات ولا تشير إلى القاتل، على عكس الصواريخ مثلا أو الطائرات التي عادة ما تنتمي إلى دولة بعينها بعد تحليل مخرجات العملية.
العبوات الناسفة عبارة عن قنابل يدوية الصنع تتكون بالأساس من مادة متفجرة، توضع داخل عبوة معدنية، ويكون تفجيرها عن بُعد عن طريق هاتف أو جهاز إرسال، ما يُسهِّل إخفاء هوية القاتل، ويمكن أن تكون هذه المادة المتفجرة من أي نوع بحسب الحاجة، وتتوقف جودة هذه العمليات دائما على المعلومات الاستخباراتية المقدَّمة.
من المسيرات للطائرات
جاء في “نيويورك تايمز” أن العملية تمت عبر عبوة ناسفة، على الجانب الآخر فإن الحكومة الإيرانية قد صرحت بأن استهداف المبنى الذي أقام به إسماعيل هنية جاء عبر ضربة من خارج البلاد، كما أفاد التلفزيون الإيراني، اليوم الجمعة، أن التقارير التي تحدثت عن تفاصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية “غير دقيقة وتكهنات غير رسمية”، في حين لم تصدر حتى اللحظة السلطات الإيرانية الرسمية بيانا يوضح ملابسات ما جرى. وهنا تنفتح احتمالات أخرى، إذ ينتهج جيش الاحتلال حاليا عقيدة عسكرية يحاول من خلالها تقليل التدخل البشري قدر الإمكان، ولذا قد لجأ شيئا فشيئا إلى تكتيكات الضربات الدقيقة عن بُعد.
وبعيدا عن التكهنات والتحيلات المتصلة بحدث الاغتيال، فإنه وفي حال الاستهداف من خارج البلاد، فعادة ما يستخدم جيش الاحتلال المسيرات المسلحة مثل “هيرون” أو هيرميس” التي تُمثِّل الأدوات الأساسية للإسرائيليين حاليا، ويمكن لهذه المسيرات أن تحوم فوق منطقة مستهدفة لفترات طويلة، وتوفر معلومات استخباراتية في الوقت الفعلي، وتنفذ الضربات عند تأكيد الهدف من قِبَل الجهات الإستخباراتية.
وتُعَد “هيرميس 450” تحديدا مسيرة متعددة الأدوار وعالية الأداء، استخدمتها إسرائيل في عمليات الاغتيال منذ أكثر من عقد من الزمان، وجُهِّزت بأنظمة استهداف متطورة، بما في ذلك الكاميرات عالية الدقة وأجهزة تحديد الهدف بالليزر، كما يمكنها البقاء في الجو لفترة تصل إلى 20 ساعة، مما يسمح بالمراقبة المستمرة والقدرة على الضرب عندما تتاح الفرصة.
وفي حال كان الهدف في دولة أخرى، فيُرجَّح استخدام طائرات مثل “إف-15″ و”إف-16” لشن غارات قصف وضربات صاروخية. تُستخدم هذه الضربات لسببين، أولا إن كان الاستهداف في دولة أخرى كما أسلفنا، أو عندما تكون هناك حاجة إلى درجة عالية من القوة النارية، حيث يحدد وجود المكان المستهدف ضمن دائرة ذات قُطر أكبر.
وعموما، فإن جيش الاحتلال يسمح بالاستهداف المفتوح ولا يراعي وجود مدنيين في الجوار، وقد نفَّذ الكثير من العمليات من هذا النوع خلال الشهور السابقة داخل غزة، حيث يمكن إبادة حي بأكمله لاستهداف شخص واحد يسكن فيه.
يساعد في ذلك برامج الذكاء الاصطناعي، حيث طور الجيش الإسرائيلي برامج عدة قائمة على الذكاء الاصطناعي، أحدها يُعرف باسم “لافندر”، الذي لعب دورا محوريا في القصف غير المسبوق للفلسطينيين، وخاصة خلال المراحل الأولى من الحرب، سجل البرنامج ما يصل إلى 37,000 فلسطيني بوصفهم مسلحين مشتبه بهم ومنازلهم لضربات جوية محتملة.
لكن أشهر منصات الاستهداف الإسرائيلية في العمليات قصيرة المدى كانت دائما مروحيات الأباتشي الأميركية التي تُستخدم لتحقيق ضربات دقيقة بصواريخ “هيلفاير”. أباتشي هي مروحية هجومية أميركية تمتلك ما يجعلها واحدة من أكثر طائرات الهليكوبتر الهجومية تنوعا وفعالية في العالم، فبجانب السلاح الدقيق المتنوع، يمكن لهذه المروحية تنفيذ مجموعة مختلفة من المهام، كما أنها عالية المناورة، وقادرة على التحرك بسرعة ودقة ضرورية للتهرب من نيران العدو والاشتباك مع الأهداف في بيئات معقدة.
صواريخ الاغتيال
وبأخذ التصريحات الإيرانية كمرتكز تحليلي، أي أن الضربة جاءت من خارج البلاد، فمن المرجح أن عملية اغتيال إسماعيل هنية تمت بواسطة طائرة مقاتلة مثل “إف-16″، وفي هذا النوع من العمليات في دولة أخرى فإن إسرائيل غالبا ستحاول تقليل عدد الوفيات قدر الإمكان لتقليل حجم رد الفعل، وبالتالي فإنها ستستخدم أدوات تتميز بالدقة العالية (لاستهداف بيت أو شقة واحدة أو ربما غرفة) حينما يكون من الضروري جدا تقليل الأضرار الجانبية، وهنا يأتي دور الصواريخ التي تستهدف تحقيق “ضربات دقيقة ضد أهداف عالية القيمة”.
يمكن لهذه الصواريخ أن تُطلَق من الطائرات أو المسيرات بصور متنوعة، وتمتلك قوة تدميرية كبيرة، وبعضها يعمل بنظام “أطلِقْ وانسَ”، أي إنها تنطلق وتُترك لتؤدي عملها تلقائيا بدون توجيه، ويمكن تحديث إحداثيات الهدف في منتصف الرحلة، والأهم من ذلك أنه يمكن إطلاقها خارج مدى الرؤية البصرية، وفي هذا السياق فإنها تمتلك أنظمة توجيه دقيقة؛ سواء توجيه ليزري، أو توجيه بنظام تحديد المواقع العالمي، واستخدام الأشعة تحت الحمراء المتقدمة، إلخ.
“هيلفاير” هو أحد تلك الصواريخ، صاروخ جو-أرض متعدد الاستخدامات، طوَّرته الولايات المتحدة، وصُمِّم في البداية لأغراض مضادة للدروع، ثم تطور ليخدم أدوارا مختلفة منها عمليات الاغتيال، بما في ذلك “الضربات الدقيقة ضد الأهداف عالية القيمة”، ويستخدم توجيها ليزريا ليضرب هدفا محددا، وهو مجهز بأنواع مختلفة من الرؤوس الحربية، مثل الرؤوس الحربية شديدة الانفجار المضادة بالأساس للدبابات.
لكن مدى “هيلفاير” صغير نسبيا (8 كيلومترات)، لا يتوافق مع ضربة بعيدة المدى نسبيا، وهنا يمكن أن نتوقع أن الضربة نُفِّذت مثلا بصاروخ “سبايك”، الذي يتميز بأنظمة توجيه متقدمة، بما في ذلك الباحث الكهروضوئي والأشعة تحت الحمراء، ويعمل بنظام “أطلِقْ وانسَ”، ويصل مداه الممتد إلى 25 كيلومترا أو أكثر، أي إنه يمكن إطلاقه خارج مدى الرؤية البصرية.
وينضم إلى القائمة كذلك صاروخ “بوب-آي”، وهو أيضا صاروخ جو-أرض مُصمَّم لضربات دقيقة ضد مجموعة متنوعة من الأهداف، يستخدم التوجيه الكهروضوئي والأشعة تحت الحمراء المتقدمة، وتتضمن بعض المتغيرات توجيه نظام تحديد المواقع العالمي، مما يعزز الدقة على مسافات طويلة، فيتخطى المدى الدقيق لهذه الصواريخ 320 كيلومترا، إلى جانب ذلك فإنها مصممة لاختراق الأهداف المحصنة.
صاروخ “كروز ديليلا” يتشابه مع “بوب-آي” في المدى تقريبا، فهو صاروخ دقيق ويمكنه التسكع فوق مناطق الاستهداف قبل إعطاء الأوامر بالضرب، بمدى يبلغ نحو 250 كيلومترا، يستخدم طرق التتبع والتوجيه نفسها، ومزود بقدرات ربط البيانات في الوقت الفعلي، مما يسمح للمشغلين بتحديث معلومات الهدف أثناء الطيران.
فشل تكتيك الاغتيال
ادعاءات إسرائيل حول فائدة إستراتيجية الاغتيال الخاصة بها متكررة في كل مرة بالنمط والوتيرة نفسها، سيخرج وزير هنا أو هناك ليقول إن الهدف هو القضاء على المقاومة وإيقاف عملياتها، لكن ما يقوله الواقع يختلف تماما عن ذلك، فوراء كل عمليات الاغتيال تزداد المقاومة الفلسطينية شراسة.
هذه ليست مجرد قراءة للواقع، إنها أيضا الرأي الذي تتبنّاه بعض الدراسات القليلة التي نُشرت في هذا الشأن، فمثلا خلصت إحدى الدراسات التي نشرتها جامعة “ميسوري كنساس” الأميركية إلى أن هناك القليل من الأدلة التي تُشير إلى أن عمليات الاغتيال الإسرائيلية تؤثر بالفعل على مسار المقاومة نحو تطوير ذاتها لتصبح أشرس مع الزمن.
وذلك مفهوم من ناحية عملية بحتة، لأن حركات المقاومة دائما ما تتوقع عمليات كهذه فتضع خططا بديلة، وسرعان ما يظهر قادة جدد وأحيانا يكونون أكثر كفاءة من أسلافهم، كما يمكن أن تعمل الاغتيالات على دفع المزيد من الأشخاص لدعم المقاومة، ولا نقصد إعلاميا فقط، بل كذلك ارتفاع معدلات التجنيد.
وتشير الدراسات والتحليلات التاريخية إلى أنه في حين قد تحقق عمليات الاغتيال نجاحات تكتيكية قصيرة الأجل وتعطل العمليات الفورية لحركات المقاومة، فإنها غالبا ما تفشل في إنتاج انتصارات إستراتيجية طويلة الأجل، لسببين رئيسيين، الأول أنها غالبا ما تفشل في تفكيك البنية الأساسية للمقاومة، خاصة أن حركات المقاومة عموما (والمقاومة الفلسطينية خصوصا) يمكنها التخلي بكل يُسر عن مركزية هياكل القيادة والسيطرة الخاصة بها، واللجوء إلى هياكل لا مركزية تمتلك فاعلية عملياتية، والثاني أن القضايا الأساسية التي تحرك الصراع تظل بلا حلول، حيث ستستمر المقاومة في الظهور.