مواقف استعلائية .. هل حاولت فرنسا استغلال زلزال المغرب لأهداف سياسية؟

تواصل فرنسا عبر وسائل مختلفة معاكسة المغرب ومحاولة الضغط عليه عبر توظيف فاجعة “زلزال الحوز”، واستثمار رفض الرباط مقترح باريس لتقديم مساعدات في الأزمة، إذ اعتبر الكثير من المراقبين أن باريس سقطت في محاولة مكشوفة لاستثمار كارثة طبيعية لتحقيق “مآرب سياسية ضيقة”.
وما أثار الاستغراب هو “الجذبة” التي تعيشها فرنسا بسبب استثنائها من الدول التي وافق المغرب على طلباتها تقديم المساعدة في الكارثة الطبيعية، رغم أنها ليست الوحيدة، إذ تلقت الرباط الكثير من طلبات تقديم الدعم والمساعدة التي قدرت أنها ليست في حاجة إليها.
سيادة مغربية
إدريس لكريني، الخبير في العلاقات الدولية، اعتبر أن الأمر يتعلق بمحطة “صعبة وقاسية يفترض أن يتعاطى معها بقدر من الإنسانية، بعيدا عن الحسابات والخلفيات السياسية، وهذا ما عبرت عنه الكثير من بلدان العالم”.
وأضاف لكريني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المغرب من منظور سيادي “له كل السبل والإمكانيات بحكم المعلومات المتوافرة في أن يطلب المساعدات الدولية أو لا يطلبها، وذلك وفق الاحتياجات الواقعية في هذا الخصوص”.
وأكد الخبير ذاته أن “المغرب راكم تجربة مهمة على مستوى السبل الكفيلة بتدبير الكوارث، على اعتبار أنه يقع في موقع جغرافي معني كثيرا بالكوارث الطبيعية، كالفيضانات، بحكم توفره على الكثير من الأنهار وعلى واجهتين بحريتين؛ مع الكوارث الناجمة عن الحرائق والتصحر والجفاف وانتشار الزلازل، لأنه يقع في منطقة زلزالية معروفة”.
نظرة استعلائية
وزاد لكريني موضحا أن “بعض الدول لم تتخلص من نظرتها النمطية الاستعلائية، ومازالت لم تستوعب التطورات والتحولات التي راكمها المغرب في هذا الخصوص”، مشددا على أن الرباط من منظور سيادي “تبقى لها كامل الصلاحية في أن تقبل المساعدات من هذا الطرف أو ذاك”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “المغرب لا يمكن أن يقبل بسياسات انتقائية والركوب على مثل هذه الأحداث والكوارث، في ظل وجود مواقف عدائية في محطات أخرى؛ وبالتالي له سلطة التقدير في قبول المساعدة من هذا الطرف أو ذاك”، مذكرا بأن “اللحظة إنسانية ولا تقتضي الركوب عليها وتسجيل النقاط”.
كما أشار لكريني إلى أن جهود الدولة وفعاليات المجتمع المدني بينت وجود “مبادرات راقية تعكس الوجه الحضاري للمجتمع المغربي والقيم الإنسانية النبيلة والقيم الدينية السمحة التي دفعت الكثير من المغاربة للمساعدة داخل المغرب وخارجه”، معتبرا أن البلد “قادر على أن يخرج من هذه المحنة بأقل الخسائر، وقادر على تدبير تداعياتها، سواء الآنية أو المستقبلية”.
أما بخصوص الحملة الإعلامية الفرنسية المعادية للمغرب فاعتبر الخبير ذاته أنها “خرجات غير محسوبة وغير أخلاقية ولا إنسانية”، مشددا على أن “هذه المحطات القاسية تتطلب التضامن الإنساني والتعامل معها بعيدا عن أي خلفيات سياسية، وبالتالي استغلال مثل هذه الكوارث الطبيعية لتصريف مواقف عدائية موقف جبان يتنافى مع القيم الإنسانية والدينية، ومع مبادئ العلاقات الدولية المبنية على الاحترام المتبادل وحسن الجوار”.
حساسية مفرطة
من جهته، سجل محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي، أن قضية المساعدات الفرنسية “أعطيت حجما أكثر مما تستحقه”، وقال: “نحن نعيش حالة زلزال خلف آثارا كبرى، المغاربة تأثروا جميعا به، وهناك هبة شعبية كبيرة جدا، ونقاش داخلي حول الكيفية التي سندبر بها الكارثة… فرنسا ما محلها من الإعراب؟”.
وأضاف بوخبزة في حديث مع هسبريس: “المغرب ليس مستعمرة فرنسية، إنه دولة ذات سيادة تعرف مصلحتها وتقوم بتقييم حاجياتها، وبالتالي دخول فرنسا والإعلام الفرنسي على الخط لمجرد أن باريس اقترحت المساعدات فهذا يعني أن هناك ما هناك، وأن المسألة ليست بريئة”.
وتابع المتحدث ذاته متسائلا: “ما الجدوى من تركيز النقاش حول نقطة تتعلق بتقديم المساعدات؟ صراحة هناك تحريف للموضوع ومحاولة لإقحام المغاربة في موضوع ربما لم يهتموا به كثيرا”، مؤكدا بدوره أن فرنسا “ليست هي الوحيدة التي بادرت إلى تقديم مقترح تقديم مساعدات، بل هناك العديد من الدول التي بادرت بحكم أن المغرب يحظى باحترام الدول، وهو سباق إلى تقديم المساعدات في مثل هذه الظروف”.
كما أشار الأستاذ ذاته إلى أن “الفرنسيين يتعاملون بحساسية مفرطة مع القضايا المغربية، وعندما يتعلق الأمر بموضوع مغربي يكون هناك تجن ورغبة أصبحت واضحة في تكريس نوع من الوصاية على المغرب، ويحددون ما هو صالح وغير صالح بالنسبة للمملكة”.
آخر من يعطينا الدروس
واستدرك المتحدث بأن المغرب “ربما يجيد تدبير أزماته أحسن من الفرنسيين وبشهاداتهم، ففي مرحلة كوفيد كانوا يتحدثون عن أنه أعطى دروسا لفرنسا في تدبير الأزمة، ولم يشتك من نقص في مجموعة من الأمور، عكس الفرنسيين، وبالتالي تحريف النقاش وجعل الموضوع مرتبطا فقط بمقترح تقديم مساعدات هو نقاش هامشي وليس في صلب الموضوع”.
ومضى بوخبزة مبينا أن المغرب “لم يرفض المساعدات، بل يدرسها وفق الحاجيات، وهذا عين الصواب وعين العقل”، معتبرا أن “العشوائية في تقديم المساعدات لا تخدم مصالح المتضررين، فقد تكون هناك بعض الانحرافات والمشاكل الجانبية التي قد تأتي مع هذه المساعدات”.
وأشار الخبير ذاته إلى أن “هناك تحريفا للنقاش ورغبة في استغلال أزمة يمر منها المغرب وجعل المنحى يأخذ نقاشا غير صحي بالمرة، وربطه بمسألة العلاقات المغربية الفرنسية المتوترة كما يعلم الجميع”، مشددا على أن “المغرب ليس في حاجة إلى تلقي الدروس، خاصة من طرف الفرنسيين، فآخر من يمكن أن يقدم لنا الدروس اليوم وللمجتمعات هو المجتمع الفرنسي”، حسب تعبيره.