سياسة

لماذا توارى التيار الإسلامي عن ساحة النقاش العمومي في المغرب؟

تعيش ساحة النقاش العمومي بالمغرب تراجعا كبيرا في الآونة الأخيرة، حيث بات المشهد يفتقد السجال والزخم اللذين ميزا البلاد طيلة سنوات العقد الماضي، خصوصا في المرحلة التي شهدت وصول الإسلاميين إلى قيادة الحكومة وما رافقها من نقاش ومعارك حامية الوطيس بين الإسلاميين وخصومهم.

ويلاحظ كثير من المتابعين للشأن المغربي تراجع التيار الإسلامي وتواريه عن الساحة العمومية، إذ لم يعد يسمع له صوت في كثير من المواضيع والقضايا التي كانت تمثل شغله الأساس في المراحل السابقة، وخفتت حدة تفاعله مع ملفات مثل التطبيع وقضايا المرأة والحريات الفردية.

حالة عجز

إدريس الكنبوري، باحث في الفكر الإسلامي، اعتبر أن قضية تواري الإسلاميين عن ساحات النقاش العمومي “لافتة ليس فقط في المغرب، وإنما في عدد كبير من الدول العربية، وأعتقد أن خطاب الحركة الإسلامية بدأ في التواري”.

وأكد الكنبوري، في حديث مع هسبريس حول الموضوع، أن التيار الإسلامي في المغرب وصل إلى “حالة من العجز”، مبرزا أنه بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، “ارتبط حضورها بالشخصنة، لأنه بعد وفاة الشيخ عبد السلام ياسين سنة 2012 بدأت الجماعة في التواري عن الأنظار، ولم تعد قادرة على إنتاج مبادرات أو أطروحات فكرية، لأن إنتاج هذه الأطروحات ارتبط في الماضي بالشيخ عبد السلام ياسين”.

وأضاف أن الاجتهادات السياسية والدينية والدعوية لجماعة العدل والإحسان، “اختفت وأصبحت الجماعة تدبر شأنها الداخلي، بينما كانت في الماضي تحاول نسج خطاب حول الإصلاح في المجتمع المغربي، وهي اليوم منكبة على مشاكلها الداخلية ولم يعد أحد يعلم ما يحصل بداخلها وما هي استراتيجيتها التي تحضرها”.

أما بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، فسجل الكنبوري أن تجربة الانخراط في العمل الحكومي “أفادتهما من حيث إدراك ما تريده الدولة، وأصبح خطاب هذا التيار الإسلامي أكثر مهادنة وانصياعا للإكراهات الداخلية، بل أصبح يتفهمها بشكل أكبر”.

وزاد الكنبوري موضحا: “ربما البلاغ الذي أصدره الديوان الملكي قبل أشهر ردا على بيان الحزب بخصوص التطبيع، ساهم في تراجع الحزب والحركة على أساس أن الدولة لها أولويات”، في إشارة إلى البيان الناري الذي قرع فيه القصر إخوان بنكيران.

غير أن الكنبوري استغرب انسحاب الحركة الإسلامية في الوقت الراهن من الصراع القيمي والحريات الفردية، مذكرا بأن الحركة الإسلامية بشتى أطيافها “كانت تركز على هذه الجوانب التي كانت تمنح التيار الإسلامي في المغرب وغيره هويته السياسية والثقافية والدعوية، لكن هذا الصمت الذي نلاحظه اليوم مريب”.

وتابع الخبير في الإسلام السياسي بأنه “لا يوجد نقاش عمومي في المغرب، بل هناك تيار واحد يسيطر على النقاش العمومي ويهمين على أغلب وسائل الإعلام والحساسيات الفكرية، فيما الأصوات الوطنية والدينية الأصيلة، سواء من داخل الحركة الإسلامية أو من خارجها، أصبحت لا تجد مكانا لها تحت الشمس”، معتبرا أن الغياب يمثل “غيابا للنقاش العمومي عامة، وليس غياب الإسلاميين عن النقاش العمومي، لأن هناك أطرافا أخرى ينبغي أن نتساءل عن دورها في النقاش العمومي، مثل المثقفين والمفكرين، وليس الإسلاميون وحدهم، لأنهم لا يمثلون جميع المغاربة”.

الكنبوري شدد على أن المغرب ليس في حاجة إلى نقاش عمومي يساهم فيه الإسلاميون وغير الإسلاميين من الأطراف السياسية المختلفة، بل “نحتاج إلى نقاش عمومي حقيقي ينخرط فيه المثقفون والمفكرون، لأن التجاذبات السياسية على صعيد القيم والثقافة الوطنية دائما ما تكون لها تأثيرات سلبية”، مردفا بأنه “إذا لم ينخرط المفكرون والمثقفون في النقاش العمومي بمعية الدولة، فإن مصير القيم التي نشتكي منها ستتحول إلى تركة في المستقبل”، وأكد أن عدم الانخراط في خلق نقاش عمومي “يساهم في إضعاف الدولة من حيث الاختيارات القيمية، وقضية القيم أصبحت عالمية وليست اختيارية بالنسبة للدول والشعوب، وإنما أصبحت اضطرارية”، حسب تعبيره.

ليس الإسلاميون فقط!

من جهته، ذهب بلال التليدي، أكاديمي باحث متخصص في تاريخ الحركات الإسلامية، إلى أن التيار الإسلامي مازال حاضرا وساهم في النقاش الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، معتبرا أن “التراجعات التي أعلنها وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بخصوص الإصلاحات الحداثية التي أعلنها، كانت في الجوهر تجاوبا مع ردة فعل الاسلاميين”.

وأفاد التليدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن تراجع وزير العدل عن الإصلاحات التي أعلنها كان “محاولة استدراك الموقف حتى مع جهات في الدولة حذرت من مخاطر اللغة التي استعملها، وأن الأمر حينما يتعلق بمدونة الأسرة، فهذا شأن مختص بنظام إمارة المؤمنين”.

وتابع التليدي قائلا: “بعد ذلك التراجع، هذا الموضوع انطفأ النقاش فيه، بسبب الجهة التي كانت تروج له، فحينما تراجع الوزير ولم يعد منخرطا في الدعاية لتعديلاته، يعني انطفأ النقاش بشكل عام”.

وزاد الخبير في الحركات الإسلامية أن النقاش الدائر حول مدونة الأسرة “عندما تراجع في الساحة لم تتراجع فقط ردود فعل الإسلاميين، وإنما الدعاية لهذه التعديلات توقفت ونتج عنها توقف النقاش العمومي في هذا الموضوع”.

وأشار الأكاديمي ذاته إلى أن النقاش العمومي “مرتبط في جوهره بتطور الديمقراطية في البلد، وحينما يقع تراجع في الديمقراطية ينتج عنه بالضرورة تراجع النقاش العمومي، فنحن الآن من ناحية التوصيف في مرحلة التراجع المقلق، لأن الديمقراطية أصلا تقوم على مبدأ الموالاة والمعارضة”، معتبرا أن التركيبة السياسية وطبيعة العلاقات الموجودة تؤشر على أنه “لا وجود لا للموالاة ولا للمعارضة، والحكومة غائبة عن التواصل السياسي والمعارضة تعاني التفكك بسبب عوامل موضوعية تجعل هذا أمرا غير وارد، لأن الخلاف الموجود بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي يصعب أن يدبر ويدار بوجود القيادتين الحاليتين للحزبين”.

وتابع التليدي مبينا أن تراجع النقاش العمومي “لا يخص الاسلاميين، حتى الحكومة بأحزابها عاجزة عن إدارة أي تواصل سياسي أو إنتاج خطاب سياسي يخلق النقاش العمومي ويؤطره”.

Elaouad

جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة. تقدم آخر أخبار المغرب والعالم العربي بالاضافه الي أقوي الفيديوهات والصور الحصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى