رسالة ماكرون إلى الملك.. صداقة على الورق تنتظر موقفا واضحا من الصحراء

في ظل استمرار الجمود الدبلوماسي بين الرباط وباريس على خلفية “المواقف الضبابية” لفرنسا من قضية الصحراء المغربية و”التوظيف الفرنسي للمؤسسات الأوروبية” للتحريض ضد المغرب، بعث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رسالة إلى العاهل المغربي بمناسبة عيد الشباب، تقدم من خلالها بتهانئه للملك والشعب المغربيين، قائلا إن “الصداقة العميقة والراسخة بين بلدينا هي أفضل إرث لماضينا”.
ويبدو أن الصداقة التي يتحدث عنها ماكرون لا تجد لها صدى على أرض الواقع في ظل استمرار “سياسة لي الذراع” التي تطبقها باريس مع الرباط باستعمال مجموعة من أوراق الضغط، على غرار “ورقة التأشيرات”، واستمرار غموض الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية و”المراهنة العمياء” على الجزائر، التي حذرت مجموعة من النخب الفرنسية رئيس بلادها من مغبة التمادي فيها، آخرهم الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، الذي دعا ساكن الإليزيه إلى “عدم محاولة بناء صداقة مصطنعة مع القادة الجزائريين مقابل فقدان ثقة المغرب”.
إشكالات عالقة وسياسة ضغط
عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “رسالة ماكرون إلى الملك محمد السادس رغم تضمنها مجموعة من الإشارات التي توحي بمتانة العلاقة بين الشعبين المغربي والفرنسي وتمسك باريس بعلاقتها مع الرباط، إلا أنها لا تكفي، بالنظر إلى وجود مجموعة من الإشكالات العالقة التي تحول دون تطوير هذه العلاقات”.
ومن بين أبرز هذه الإشكالات، “التماطل الفرنسي في التعبير عن موقف واضح لا يقبل التأويل فيما يخص مسألة الوحدة الترابية للمملكة من خلال دعم مقترح الحكم الذاتي تيمنا بمجموعة من الدول الأخرى”، يسجل الوردي الذي أشار إلى “استمرار مجموعة من التصرفات الفرنسية المشينة التي لا تعكس ما عبر ساكن قصر الإليزيه، لعل أهمها تقاعس القنصليات الفرنسية بالمغرب في منح التأشيرات حتى لمن يستوفون جميع الشروط الضرورية للحصول عليها، بمن فيهم رجال الأعمال والأكاديميون”.
“السلطات الفرنسية تمارس نوعا من الضغط على نظيرتها المغربية، وأصبحت تتعامل مع كل المغاربة الذين يتقدمون للحصول على التأشيرة على أنهم يسعون وراء الحلم الأوروبي وينوون المكوث في فرنسا”، يورد الأستاذ الجامعي عينه، مضيفا أنه “في المقابل، ينهج المغرب سياسة حكيمة مع فرنسا ولم يمارس أي ضغط عليها، بل إنه حافظ على مصالح المستثمرين الفرنسيين على أراضيه رغم فترة البرود الدبلوماسي التي تمر بها العلاقات بين البلدين”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “باريس مطالبة بإعادة تقييم سياستها مع الرباط والاستفادة من دروس الماضي، ذلك أن سياسة الضغط الفرنسي فشلت في النيجر وفي بوركينافاسو، وتفشل الآن مع الجزائر الصديق القديم الجديد لفرنسا”، موضحا أن “المغرب يريد إقامة علاقات مع فرنسا على أساس الاحترام المتبادل وتجاوز سياسة الضغط والنظرة الاستعمارية المتعالية للدولة الفرنسية”.
وخلص الوردي إلى أن “النظام العالمي الجديد يفرض على جميع الدول، من ضمنها فرنسا، مناقشة القضايا العالقة بينها وبين المغرب على أساس من الشفافية والوضوح في إطار تدبير الحاضر والمستقبل، وبالتالي القطع مع سياسة لي الذراع، سواء بتوظيف ملف التأشيرات أو غيره من الملفات الأخرى التي يناقض توظيفها شعار الجمهورية الفرنسية وقيم الديمقراطية التي تدافع عنها”.
شروط فرنسية ومغرب جديد
وتفاعلا مع الموضوع ذاته، علق عمر لمرابط، محلل سياسي نائب عمدة بفرنسا سابقا، على رسالة ماكرون بالقول إن “هذا الأخير يسعى لإقامة علاقات جيدة مع كل من الجزائر والمغرب في الوقت ذاته، فرغم أن الجزائر تشكل بالنسبة إليه أولوية على حساب الرباط، إلا أنه غير مستعد لخسارة العلاقات مع الطرف المغربي، لكنه في المقابل يريد أن يكون ذلك وفقا لشروطه، وهو ما ترفضه المملكة المغربية”.
وأضاف لمرابط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “استمرار السياسات الفرنسية تجاه المغرب على غرار مسألة التأشيرات لا يصب في مصلحة العلاقات بين البلدين”، لافتا في الوقت ذاته إلى “تنامي الدعوات في الداخل الفرنسي لتجاوز الخلافات ما بين البلدين، آخرها دعوة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي وصف العلاقات مع المغرب بالأخوية وانتقد رهان ماكرون على الجزائر على حساب الرباط”.
في السياق نفسه، أشار المتحدث ذاته إلى أن “فرنسا تريد فعلا تجاوز الأزمة مع المغرب لكنها لا تريد أن تقدم شيئا في المقابل، في حين إن الشروط المغربية في هذا الإطار واضحة، ذلك أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وموقف الرباط من قمة البريكس دليل واضح على السياسة المغربية الجديدة في تدبير العلاقات الدولية”.
وخلص لمرابط إلى أن “ماكرون يخدم مصالحه ومصالح بلاده بالدرجة بالأولى في علاقاتها مع الجزائر، فكل المؤشرات تدل على أن هذه الأخيرة ضاعفت من صادراتها من الغاز إلى فرنسا وأوروبا لتجاوز أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب في أوكرانيا”، مشددا على أنه “رغم كل ما قيل عن تقارب الجزائر مع موسكو، إلا أن كل المؤشرات تدل على وجود اتفاقات لم يُعلن عليها إبان زيارة ماكرون إلى الجزائر، ذلك أن النظام الجزائري دائما ما استفاد ويستفيد من فرنسا التي تستفيد بدورها رغم التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات بين البلدين من حين لآخر”.