“خطاب متناقض” .. الرئيس ماكرون ينفي مسؤولية تدهور العلاقات مع المغرب

“خطاب متناقض” جديد أطلقه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول العلاقات “الجليدية” مع الرباط ودول عديدة بالقارة الإفريقية؛ فرغم إقراره بـ”سلبية العلاقات”، إلا أنه نفى “مسؤولية باريس في ذلك”، معتبرا أن هاته الدول، بما فيها المغرب، “تعيش وسط أزمة تنظيم”.
وقد شكل اللقاء السنوي مع سفراء فرنسا، الإثنين، مناسبة ليبوح الرئيس الفرنسي بأفكاره حول السياسة الخارجية لبلاده، التي تعرف انتقادات واسعة من قبل الجسم السياسي الفرنسي، خاصة مع دول المغرب الكبير التي أصبحت شاهدة على “فشل ماكرون الذريع في الحفاظ على علاقات ودية معها”.
ماكرون اعتبر في خطابه “الحيوي” أمام سفراء بلاده الذين لا تقل عزلتهم في السفارات عن عزلة باريس الخارجية، أن “تراجع العلاقات مع شمال إفريقيا”، في إشارة واضحة إلى المملكة المغربية والجزائر، “ليس سببه عدم التزام فرنسا، بل كون هاته البلدان تعيش وسط أزمة تنظيم تعرفها المنطقة”.
ويبدو أن ماكرون لا يهدأ دون أن يرمي بـ”كلمات تزيد من تعقيد وضع السياسة الخارجية لفرنسا في القارة الإفريقية”، إذ رفض كذلك سحب سفيره لدى النيجر وعدم الامتثال لطلب سلطات الانقلاب، ملمحا إلى استعداد جيشه للرد.
وفي دليل واضح على غياب رؤية استراتيجية ديبلوماسية واضحة تجاه المغرب والجزائر، أعلن ماكرون عزمه القيام بـ”مبادرات تحت سلطة وزارة الخارجية للرقي بالعلاقات مع دول المغرب العربي”، في وقت يواصل فيه تجاهل المشاكل الحقيقية التي تعيق صفاء الأجواء، أولها الوضوح في ملف الصحراء المغربية، وموضوع الذاكرة الجزائري، وغيرها من الملفات التي تشهد على تعنت فرنسي كبير.
فقد البوصلة
الحسين كنون، محلل سياسي مختص في الشأن الدولي، يرى أن “هذه التصريحات ما تزال تبين بالدليل القاطع أن ماكرون يواصل النظر إلى الدول الإفريقية بنظارة الاستعمار”.
وصرح كنون لهسبريس بأن “حديث ماكرون عن عيش دول شمال إفريقيا وسط أزمة تنظيم، يعيد التساؤل حول من أنتج هاته الأزمة، التي يعلم الجميع أن الاستعمار الفرنسي هو سببها الأول”.
وقال إن “ماكرون فقد بوصلته الديبلوماسية بالقارة الإفريقية، وتيقن الجميع أنه يقود باريس إلى المجهول، وهو ما يحاول جل السياسيين في فرنسا التنبيه إليه، في مقدمتهم ساركوزي الذي حذر من استمرار التعويل على الجزائر”.
وأضاف كنون أن “الوقت قد حان لتخرج فرنسا بموقف واضح من قضية الصحراء المغربية، وقد حان لماكرون أن ينصت إلى نخب فرنسا. وفي حالة عدم تجاوبه، فمن المؤكد أن تعرف باريس فترة تراجع قوية في المنطقة”.
لغة استعمارية
من جانبه، بين عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “خطاب ماكرون يوم أمس حمل إشارات سلبية تجاه إفريقيا، وهو ما يظهر وجود فشل ذريع في السياسة الخارجية”.
وقال الوردي، في تصريح لهسبريس، إن “خطاب ماكرون ما يزال يحمل لغة استعمارية، وهو ما ظهر بشكل جلي تجاه النيجر من خلال دعم التدخل العسكري لإيكواس ورفض طلب سحب السفير”.
“استمرار ماكرون في النهج التدبيري نفسه للعلاقات مع إفريقيا ودول المغرب الكبير، ينذر بشكل واضح بنهاية العلاقات الفرنسية الإفريقية”، يتابع أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، موردا أن “ماكرون لم يرسل إشارات سلبية فقط إلى المغرب، بل حتى إلى الجزائر”.
وشدد المتحدث على أن “فرنسا يجب أن تعيد حساباتها الخارجية تجاه دول منطقة المغرب الكبير”، وأن “عدم تحقق ذلك، يلزم دول المغرب الكبير، خاصة المغرب والجزائر، بالاتحاد قصد مواجهة هذا التعنت الفرنسي”.
وزاد: “فرنسا لم تكن لها أي مبادرات حقيقية من أجل تذويب الخلاف مع الرباط، على عكس دول أخرى كإسبانيا وألمانيا، وهو ما دفع السياسيين بفرنسا إلى التنبيه إلى الأمر”.
ولفت الوردي إلى أن “إفريقيا تنتفض ضد فرنسا وأفكارها الاستعمارية، وتعيش على وقع النهضة، وهذا الأمر ينخرط فيه المغرب أيضا باعتباره دولة ريادية على جميع المستويات بالقارة السمراء”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الجزائر والمغرب ملزمان بتوحيد الصف لتوجيه رسالة واضحة إلى الرئيس الفرنسي وأفكاره المتعالية، وكذا لمواجهة مختلف التحديات الأخرى”.