خبير سياسي يقترح اعتماد “تنقيط سنوي” للوصول إلى الفعالية في العمل الوزاري
قال المنتصر السويني، الباحث في العلوم السياسية والمالية العامة، إن العقل الدستوري المغربي من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية كان يعمل على نقل الفعل العمومي بالمغرب من مربع الفعل الخاضع فقط للتداول بين ممثلي الأمة إلى الفعل الخاضع كذلك للقياس والتحديد الكمي، مضيفا أن القياس من المفروض أن يرسخ دستوريا الفعالية باعتبارها الطريقة الجديدة لتنسيق الفعل من خلال القياس والمقارنة والترتيب والتنقيط.
وأوضح السويني، في مقال توصلت به هسبريس، أن مصالحة العقل الدستوري المغربي مع مصطلح التقييم إشارة قوية إلى أن التقييم لا يجب أن يخضع له فقط الموظفون، بل كذلك السياسيون، وبالتالي من المفروض أن يخضع الوزراء سنويا لمقابلات شخصية لتقييم فعلهم الوزاري من طرف رئيس الحكومة.
وأضاف أن استحقاق النتائج والفعالية سينقل الحكومة من سقف “حكومة داخل المساواة” إلى حكومة مكونة من وزراء مسرعين ووزراء بطيئين، ووزراء فاعلين ووزراء فاشلين، ووزراء مجدين ووزراء كسالى.
هذا نص المقال:
من خلال دسترة التقييم ودسترة السياسات العمومية كان العقل الدستوري المغربي يؤكد أنه إذا كانت السياسة لها وجهان، وجه مرتبط بالصراع على السلطة والوجه الآخر مرتبط بالفعل العمومي، فإن الأولوية بالنسبة لمغرب اليوم تعتمد على الوجه المرتبط بالفعل العمومي الجدي، ومن خلال ذلك كان العقل المركزي للدولة يؤكد إيمانه القوي بما قاله الباحث دافيد إيستون بكون البحث المرتبط بالمداخيل والمخارج والأثر له أهمية كبرى على البحث المرتبط بالعلبة السوداء المهتمة بالصراع على السلطة.
الاهتمام بالفعل العمومي وبالحياة اليومية للمواطنين كان يعني التركيز على ما يفعله الثنائي المكون من (الحكومة- الإدارة)، وكان يتطلب بالتالي تنزيل الدستور والقوانين التنظيمية إلى المستوى الأدنى من خلال المراسيم والقرارات التي تعمل على التنزيل التدبيري للدستور من خلال تعميم ثقافة النتائج على المستوى السياسي والمستوى الإداري.
لكن المتتبع السياسي والمهتم بالشأن العام المغربي سيلاحظان أن الطبقة السياسية المغربية (ما بعد دستور 2011) ركزت اهتمامها على التنزيل السياسي والتنزيل القانوني للدستور، وأهملت بشكل كبير التنزيل التدبيري للدستور. التأخير في تنزيل الدستور التدبيري على المستوى الثنائي المكون من (الحكومة- الإدارة) كان له أثر كبير على فعالية السياسات العمومية بالمغرب، الشيء الذي دفع الملك في خطاب العرش الأخير إلى التأكيد على الجدية، مع العلم أن الجدية تبقى مرتبطة بشكل وثيق بالقياس والتقييم، كما أن الجدية في علم التدبير هي قياس الفعالية، وهي المصالحة مع ثقافة النتائج وثقافة القياس وثقافة التحديد الكمي وثقافة قياس الأثر.
رئيس الحكومة كان من المفروض أن يقيم فعالية فريقه الوزاري لأن الحكم على الوزراء من خلال نتائجهم إجراء محمود وينسجم مع الدستور والقوانين التنظيمية، ويعمل كذلك على إخبار الرأي العام بنتائج العمل الوزاري، كما يعمل على التفريق بين الوزراء من خلال نتائج العمل. وهكذا يتعرف الرأي العام على الوزراء الفاعلين والوزراء المتعثرين، والوزراء الذين كانت نتائجهم جيدة والوزراء الذين كانت نتائجهم غير جيدة، وتخبرنا التجارب الدولية أن هذا النوع من التقييم والتنقيط ساهم في تحريك الفعل العمومي وتسريعه ومنحه الجدية المطلوبة.
1) العقل الدستوري المغربي ودسترة الفعالية السياسية
العقل الدستوري المغربي لسنة 2011 كان مقتنعا بأن ترسيخ الدولة الفاعلة يعتمد على ترسيخ الفعالية من خلال القواعد الدستورية، وكان مقتنعا كذلك بأن ترسيخ الفعالية التدبيرية يبقى مرتبطا بضرورة تنزيلها أولا على المستوى السياسي ومن ثم نقلها إلى المستوى الإداري، وهنا يحسب للعقل الدستوري المغربي أنه تفوق على العقل التدبيري الفرنسي، من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية سنة 2011، ومن ثم التنصيص على التقييم التدبيري من خلال القانون التنظيمي للمالية سنة 2015، بينما شرعن العقل التدبيري الفرنسي التقييم التدبيري أولا من خلال القانون التنظيمي للمالية سنة 2001، ولم يعمل على دسترة التقييم السياسي إلا في الإصلاح الدستوري لسنة 2008، وهنا يحسب للعقل السياسي المركزي اقتناعه المبدئي بأن نجاح التقييم وترسيخ الفعالية يبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا بتعميمه على الثنائي المكون من (الحكومة- الإدارة)، ويبقى مرتبطا كذلك بثنائية (السياسة العمومية- البرنامج)، وثنائية (الوزير- المسؤول عن البرنامج).
هذا الاقتناع كان إدراكا قبليا من العقل المركزي المغربي بأن ترسيخ التقييم والفعالية بالنسبة للمستوى السياسي، خصوصا الحكومة (الدستور- القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة)، رغم أن القانون التنظيمي المتعلق بالعمل الحكومي لم ينفتح إلا جزئيا على التدبير العمومي الحديث، ولا يزال يحتاج إلى مراجعة شاملة لربطه بعلوم التدبير الحديثة كأن يؤسس لشروط النجاح لترسيخ التقييم والفعالية على المستوى الإداري (القانون التنظيمي للمالية).
من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية كان العقل الدستوري المغربي يعمل على نقل الفعل العمومي بالمغرب من مربع الفعل الخاضع فقط للتداول بين ممثلي الأمة إلى الفعل الخاضع كذلك للقياس والتحديد الكمي، وكان يعمل على الجمع بين ديمقراطية المواجهة والتمثيلية وكذلك ديمقراطية النسب (نسب الشيء) وتقديم الحساب، ومن خلال ذلك كان العقل الدستوري المغربي يؤكد أن القياس من المفروض أن يرسخ دستوريا الفعالية باعتبارها الطريقة الجديدة لتنسيق الفعل من خلال القياس والمقارنة والترتيب والتنقيط.
مصالحة العقل الدستوري المغربي مع مصطلح التقييم كانت إشارة قوية إلى أن التقييم لا يجب أن يخضع له فقط الموظفون (يخضع الموظفون للتقييم منذ دخول قانون الوظيفة العمومية حيز التطبيق 1958)، بل كذلك السياسيون. فالتقييم يجب أن يخضع له كل من يتقاضى أجره أو تعويضاته من ميزانية الدولة، سواء كان المنصب الذي يشغله منصبا نظاميا أو منصبا وظيفيا أو منصبا سياسيا، فالتقييم من المفروض أن يساوي بين الجميع لأن دولة الفعالية يصنعها بالأساس الثنائي المكون من السياسي والموظف (سواء كان الموظف يشغل منصبا وظيفيا أو منصبا نظاميا).
يقول الباحث برنود لوفيل إن الحكومة لا تؤدى لها التعويضات من المال العام من أجل تدبير الشؤون الجارية، بل من أجل أن تمتلك الشجاعة والإرادة لتنزيل الإصلاحات الضرورية من أجل البلد، وتؤدى لها التعويضات من أجل أن تحدث الفارق وتحدث التغيير المطلوب، وتؤدى لها التعويضات لأن خدمة الصالح العام تتطلب الفعل الجيد والفعل السريع والفعل الجدي (كما أكد الملك في خطابه الأخير) والفعل الذي يترك أثرا على المواطنين. وبالتالي من المفروض أن يخضع الوزراء لتقييم فعلهم العمومي ونتائجه وأثره على المجتمع والمواطنين من طرف رئيس الحكومة.
2) دستور 2011 وثنائية الوزير السياسي والوزير المدبر الفعال من خلال النتائج
يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الفرنسية إيد باج إن تقييم فعالية الوزراء داخل نظام سياسي معين يتطلب معرفة المطلوب من الوزراء من خلال دستور البلد المعني. وفي هذا السياق وجب التأكيد على أنه منذ بداية الحياة الدستورية بالمغرب شكل منصب الوزير دائما حلما بالنسبة لغالبية الذين يشتغلون في السياسة، ومن المعروف كذلك أن الوزير يحتل موقعا جد مكشوف في الواقع الدستوري والسياسي والإداري للبلد، مما يخول له تمثيل الوزارة أمام البرلمان، وتمثيل الوزارة داخل الحكومة، وتدبير الوزارة وقيادة الموظفين، وتمثيل الوزارة أمام مجموعات المصالح وأمام الإعلام وكذلك الرأي العام الوطني .
الشرعنة التي تمنح للوزراء من خلال التعيين الملكي وكذلك التنصيب البرلماني (الأغلبية البرلمانية) تخول لهم إمكانية تفويض هذه الشرعنة لمن هم تحت إمرتهم من خلال تخويلهم الحق في استعمال اسمهم (عن الوزير، بموافقة الوزير، بتفويض من الوزير). وبالتالي ساد الاعتقاد بأن المؤهلات المطلوبة من الوزير ليست هي التخصص والمعرفة التقنية في ميدان معين، بل إن المؤهلات المطلوبة من الوزير هي القدرة على الفهم وعلى الحكم وعلى تقييم المشاكل واقتراح الحلول، والموهبة الكلامية، خصوصا الوضوح في التعبير. وبالتالي فإن المطلوب من الوزراء أصحاب المناصب السياسية ليس هو المطلوب من الموظفين أصحاب المناصب الوظيفية والتنظيمية (كما يؤكد الباحث والعضو الفخري في مجلس الدولة الفرنسي جاك ريكود).
العقل الدستوري ما قبل دستور 2011 كان يؤطر تقديم الحساب الحكومي والإداري من خلال التواصل السياسي والقاعدة التي كانت تؤكد على أن التواصل هو الذي يثبت الفعالية (كما يؤكد الباحث والأستاذ في الجامعات الفرنسية فرانسوا رونجون). كما أن الفعالية كانت تقاس من خلال العين المجردة وشعارات الكل سياسي والكل مؤسساتي، (مما يثبت أن الفعالية كانت تقاس فقط من خلال مغرب المؤسسات والمغرب السياسي)، ومن خلال التأكد فقط من احترام الدستور والشرعية القانونية، ومن خلال الكلام الحكومي وتتبع ما تصرح به الحكومة من خلال الخطابات الرسمية، ومن خلال كذلك تتبع ما تقوله صحف الصباح أو ما يقوله الإعلام بشكل عام.
إلا أن تقديم الحساب الوزاري من خلال دستور 2011 لا يعتمد فقط على العين المجردة، ولا على التواصل الحكومي والقول الحكومي والقول الوزاري فقط، ولا على ما يقال وما يسمع، ولا يقتصر كذلك على تقييم المغرب المؤسساتي والمغرب السياسي ومغرب الحاكمين، بل إن تقديم الحساب في ظل دستور 2011 صار مؤطرا كذلك بسقف ثقافة النتائج والتقييم الذي يقوم به مغرب الخبراء في التدبير والخبراء في القياس ومغرب ثقافة الحكامة المرتبطة بالتدبير المعتمد بالقطاع الخاص والتحليل الذي يمكن التأكد منه من خلال المؤشرات والتحديد الكمي والقياس .
شرعنة التقييم وشرعنة السياسات العمومية من خلال دستور 2011 والقوانين التنظيمية عملتا على شرعنة العمل الوزاري من خلال الوجهين والصفتين (الوزير السياسي- الوزير كمدبر حداثي يخضع فعله للتقييم والتنقيط)، وعملتا كذلك على نقل الفعل الوزاري من مظلة “السلطوية السياسية” إلى مظلة ثنائية “السلطوية السياسية- الخبرة التكنوقراطية”.
دستور 2011 والقوانين التنظيمية عملا على التأكيد على أن الوزير هو شخص مزدوج يوجد في تقاطع ما بين الحياة السياسية والحياة الإدارية، واعتبارا لذلك فإن الوزير من داخل ثنائية المظلة السياسية والمظلة المعتمدة على الفعل العمومي يملك الصفات الثلاث: الوزير السياسي- الوزير المدبر الإداري- الوزير الآمر بالصرف. لهذا وجب الأخذ بعين الاعتبار ثنائية الوزير السياسي والوزير المدبر الفعال من خلال النتائج.
دسترة التقييم ودسترة السياسات العمومية كانتا تنقلان الوزراء من مربع المزايا القبلية التي يمنحها ظهير التعيين (اقتراح رئيس الحكومة- التعيين الملكي) ومزايا التنصيب البرلماني ومزايا المسؤولية التضامنية ومزايا الحماية التي توفرها الأغلبية البرلمانية إلى مربع مشرحة التقييم الرقمي والكمي من خلال تقييم السياسات العمومية التي يتحملون مسؤوليتها، ومن خلال تقييم الأثر الذي تتركه السياسات العمومية على المواطنين، وبالتالي نقل دستور 2011 الوزراء من مربع الوزراء السياسيين إلى مربع الوزراء الذين يحملون الصفتين (الوزراء السياسيون- الوزراء المدبرون الحداثيون والفاعلون).
3) دسترة التقييم ودسترة السياسات العمومية تفرضان على رئيس الحكومة وضع الوزراء تحت ضغط متطلبات التقييم والفعالية
العقل الدستوري المغربي لسنة 2011 والعقل الذي صاغ القانون التنظيمي المتعلق بالعمل الحكومي عملا على دسترة مؤسسة رئيس الحكومة والمجلس الحكومي، وعلى دسترة التقييم ودسترة السياسات العمومية، مما كان يفرض على رئيس الحكومة توضيح وتفصيل وشرعنة تنزيل العلاقة التدبيرية بينه وبين الوزراء من خلال مرسوم أو منشور يحدد التأطير المدقق لممارسة رئيس الحكومة لمهام التقييم والتتبع للعمل الوزاري المرتبط بتنفيذ البرنامج الحكومي.
ترسيخ التقييم والفعالية من خلال القواعد الدستورية كان يستهدف من ورائه العقل الدستوري المغربي ترسيخ ثنائية ديمقراطية الانتخاب وديمقراطية التقييم وتقديم الحساب، وكان يستهدف كذلك العمل على الجمع بين ثنائية (السياسة- الخبرة)، وثنائية (الأيديولوجية- العلم)، وثنائية (حساب المرحلة- لحظة الحقيقة).
كما أن العقل الدستوري المغربي من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية كان يستهدف البحث عما إذا كانت الوسائل القانونية والإدارية والمالية الموضوعة رهن إشارة الحكومة قد مكنت من الحصول على النتائج المرجوة والمطلوبة. وبالتالي فإن العقل الدستوري المغربي كان يضع التشكيلة الحكومية، خصوصا الوزراء، تحت محك تقييم الأداء السياسي، وتقييم الأداء المرتبط بالتصرف في الأموال العمومية، والأداء المرتبط بالتصرف في الموارد الإدارية، وبشكل عام تقييم التصرف المرتبط باستعمال الموارد العمومية.
تمكين المواطنين من الحكم من خلال الوثائق على العمل الحكومي وعلى الفعالية الحكومية والفعالية الوزارية سنويا داخل الزمن الفاصل بين الانتخابات التي منحت حزب رئيس الحكومة المرتبة الأولى والانتخابات التي ستحاكم نتائج الحكومة التي ترأسها الحزب المتصدر في الانتخابات السابقة كان سيعمل على تعزيز ديمقراطية الانتخاب بديمقراطية التقييم والنتائج، وكان سيعمل على ترسيخ العمل الحكومي الجيد والعمل الوزاري الجيد، وكان سيعمل كذلك على وضع الوزراء تحت ضغط تحقيق النتائج الإيجابية التي تترك أثرا على الحياة اليومية للمواطنين.
تنزيل ديمقراطية التقييم وديمقراطية تقديم الحساب السنوي وديمقراطية قياس الفعالية الحكومية والوزارية السنوية كان يفرض على رئيس الحكومة العمل على تنزيل البرنامج الحكومي والسياسة القطاعية إلى أهداف عامة وأهداف قطاعية، وتنزيل البرنامج الحكومي إلى خارطة طريق عامة وخريطة طريق قطاعية مع المؤشرات المرتبطة بالأهداف العامة والأهداف القطاعية. كما أن الأهداف العامة والقطاعية والمؤشرات المرتبطة بها والمرقمة والخاضعة للقياس والتحديد الكمي (المستوى السياسي وليس فقط المستوى الإداري) كانت ستعمل على تعزيز الأهداف المرقمة المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية بشكل عام (التضخم- الميزان التجاري- ميزان الأداءات- العجز العمومي- مستوى المديونية العامة)، مما كان سيعزز ديمقراطية التداول والنقاش البرلماني، وكانت ستمكن رئيس الحكومة من تقديم النتائج الجزئية السنوية المرتبطة بتنفيذ البرنامج الحكومي والبرنامج القطاعي، مع تقييم عمل كل وزير وتنقيط هذا العمل.
كما أن ترسيخ ديمقراطية التقييم والنتائج والعمل الحكومي الجيد والعمل الوزاري الجيد كان يفرض على رئيس الحكومة القيام بتقييم العمل الوزاري الخاص بكل وزير وبشكل سنوي وعند كل دخول سياسي، خصوصا أن الدخول السياسي يتزامن مع زمن تهييء مشروع قانون المالية للسنة المقبلة (مما يساعد على ربط طلب الاعتمادات المطلوبة من الوزراء بنتائج التقييم والمؤشرات المرتبطة بالفعالية المحصل عليها).
الإشراف السنوي لرئيس الحكومة على المقابلات التقييمية للوزراء كان سيمكن المغاربة من معرفة النتائج الجزئية السنوية للحكومة، ومن الاطلاع على أين وصل تنفيذ البرنامج الحكومي والبرامج القطاعية، وعلى إمكانية التتبع السنوي لتنفيذ البرنامج الحكومي، والاطلاع كذلك على نتائج الفعل الحكومي والفعل الوزاري سنويا (كان سيعمل كذلك على ربط شعبية الوزير بالنتائج المرقمة لفعله الوزاري).
تقييم وتنقيط النتائج الجزئية السنوية للعمل الوزاري كان سيمكن كذلك من التفريق من جهة بين الوزراء الفاعلين والوزراء المسرعين والوزراء المبدعين، ومن جهة أخرى الوزراء الغير فاعلين والوزراء البطيئين والوزراء الذين لم يستطيعوا من خلال تدبيرهم إحداث الفارق والوزراء الذين تركوا بصمة من خلال عملهم الوزاري السنوي على حياة المواطنين والوزراء الذين لا أثر لفعلهم الوزاري السنوي على حياة المغاربة.
كما أن إخضاع عمل الوزراء السنوي للتقييم والتنقيط كان سيضع الوزراء تحت الضغط ويدفعهم إلى العمل الجدي من أجل تحسين المؤشرات المرتبطة بالفعالية، خصوصا أن هذا الضغط في التجارب الدولية كان له مفعول جد إيجابي على النتائج المحققة من طرف الوزراء.
المطلوب من لقاءات التقييم والتتبع التي تجمع (رئيس الحكومة -الوزير) التأكد أولا من أن الوزراء يعرفون جيدا خريطة الطريق المرتبطة بالقطاع الذي يتحملون مسؤوليته، وأنهم يعرفون الأهداف المطلوب منهم تحقيقها والمؤشرات المرتبطة بهذه الأهداف، مع العمل على تقييم خريطة الطريق ومناقشة تنفيذ القوانين المصوت عليها والمراسيم التنفيذية وبرنامج تنزيل الإصلاحات التي ما زالت مبرمجة، ومناقشة التأثير المنتظر لهذه السياسية (الباحث صمويل كونتيي) على المواطنين، وكذلك مناقشة التفاصيل المرتبطة بفريق العمل الإداري والإمكانيات المخصصة لكل إصلاح.
اللقاءات التقييمية السنوية للعمل الوزاري هي بمثابة تحيين وتجديد للعقد الانتخابي بين الأغلبية البرلمانية والمواطنين من داخل الولاية التشريعية. هذه اللقاءات الهدف منها تسريع تنزيل الأوراش الاستراتيجية، مع العمل على تنزيل الأثر المطلوب من هذه الأوراش على حياة المغاربة. كما أن هذه اللقاءات ستمكن رئيس الحكومة، باعتباره المسؤول عن البرنامج الحكومي، من تحديد الأهداف الأساسية التي يجب تحقيقها في المرحلة القادمة.
الباحث رافائيل لوبيل سيؤكد أنه ليس هناك أي تناقض بين تنزيل أدوات جديدة مرتبطة بقيادة السياسات الحكومية بين رئيس الحكومة والوزراء، والمسؤولية الحكومية أمام البرلمان لأن كنه المسؤولية الوزارية لا تزال مرتبطة بقيم متنوعة ومعقدة، ولا يمكن بالتالي حصرها بجفاف لوائح القيادة. لكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن هذه اللوائح تلعب دورا تكميليا كبيرا ومهما في تقييم العمل الوزاري أمام رئيس الحكومة، وتعمل كذلك على وضع الوزراء تحت الضغط المستمر من أجل تحسين الأداء وتحسين المؤشرات المرتبطة بالفعالية.
4) تنزيل العقل الدستوري المغربي- لتقييم السياسات العمومية- اعتراف ضمني بوجود ضرر سياسي مرتبط بغياب الفعالية وغياب التقييم
العقل الدستوري المغربي من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية وفتح الطريق نحو تقييم الفعل الوزاري وتنقيطه النوعي كان يقطع عمليا مع عصر الجمود السياسي والتدبيري وعصر غياب المسؤولية التدبيرية (خصوصا الوزارية)، ويعمل على محاولة إعادة الثقة في السياسة وإعادة الثقة في العمل السياسي .
العقل الدستوري المغربي كان يعتبر أن غياب الجدية والفعالية يسبب ضررا سياسيا وهدرا متعمدا للزمن السياسي والزمن الإداري. هذا الضرر وهذا الهدر يؤدي ثمنهما الوطن والمجتمع والمواطن. ومن أجل مقاومة هذا الضرر وهذا الهدر من المفروض تنزيل التقييم وتنزيل السياسات العمومية وتنزيل تقييم العمل الوزاري وتنقيطه (بالنسبة للصحفي والأستاذ في المدارس العليا الفرنسية أرنود لبارمونتيي، فإن الضرر السياسي يجب تصنيفه كجريمة سياسية).
وإذا كان تقييم البرنامج الحكومي في السابق يخضع للتقييم من خلال اليوم الانتخابي ومن خلال المراقبة البرلمانية ومن خلال كذلك المجلس الأعلى للحسابات فقط، فإن دسترة تقييم السياسات العمومية فتحت الطريق كذلك أمام إمكانية تعزيز التقييم الحكومي بالتقييم من داخل المربع الحكومي، الذي من المفروض أن يقوم به رئيس الحكومة لفريقه الحكومي، مما كان سيعمل على تعزيز المشروعية السياسية القبلية للوزراء بالمشروعية التدبيرية من خلال النتائج المحققة لاحقا.
وفي هذا السياق يؤكد الأستاذ الجامعي بالجامعات الفرنسية باتريك ديرون أنه عندما يصير التقييم والفعالية من المصطلحات المهيمنة والأساسية والمحددة للفعل العمومي بالدول الحديثة، فإن تنزيل نتائج الفعل العمومي تصير ضرورة ملحة، كما أن الجهاز التنفيذي والوزراء يصيرون ملزمين بتقديم الحساب.
ثقافة التقييم وثقافة الفعالية فرضتا نفسيهما بقوة على الثقافة السياسية، ومنحتا بالتالي وزنا مهما لمصالح دافعي الضرائب، وعملتا على محاربة الضرر السياسي والهدر السياسي والإداري المرتبط بالجمود وغياب الفعالية وغياب الثقة بين الحاكمين والمحكومين.
مقاومة الضرر السياسي والهدر السياسي والإداري المرتبط بالجمود وغياب المسؤولية والتقييم كانت تفرض على رئيس الحكومة إبداع شكل من أشكال التدبير المرتبط بمراقبة التقييم الوزاري سنويا من خلال تقييم المؤهلات التدبيرية والمؤهلات المرتبطة بالقدرة على إحداث الأثر المرجو من السياسات العمومية والنتائج المحصلة على أرض الواقع من خلال المؤشرات من أجل فتح المجال لتعزيز عملية فرز النخب الوزارية عن باقي النخب أثناء عملية الاقتراح والتعيين الحكومي بفرز ثان للنخب الوزارية بين نخب وزارية فاعلة ونخب وزارية غير فاعلة تسبب ضررا سياسيا وهدرا للزمن السياسي يتحمل نتائجه الوطن والحكومة والمواطنون .
تقييم السياسات العمومية وتقييم وتنقيط رئيس الحكومة السنوي للعمل الوزاري كانا سيعملان على محاربة الضرر السياسي والهدر السياسي الذي تتحمله الدولة والمجتمع والمواطن، والناتج عن الجمود وعن غياب السرعة وعدم القدرة على إيجاد الحلول الفعالة للمشاكل التي تعيشها الدول والمجتمعات.
الخلاصة:
العقل الدستوري المغربي من خلال دسترة تقييم السياسات العمومية أراد أن يؤكد أنه ليس هناك أي تناقض بين هاجس تحويل الوزراء إلى مدبرين فاعلين لقطاعاتهم الوزارية والسلطة التي يتمتع بها البرلمان في مراقبة العمل الحكومي، وأراد أن يؤكد كذلك أن الوزراء يتمتعون بامتياز التعيين وامتياز التنصيب الحكومي وامتياز الحماية السياسية من طرف الأغلبية البرلمانية، إلا أنهم مطالبون كذلك بالعمل تحت سقف ثقافة النتائج وثقافة الفعالية وثقافة ثنائية زمن الفعل وزمن صناعة الأرقام المرتبطة بالفعالية، وبالتالي من المفروض أن يخضعوا سنويا لمقابلات شخصية لتقييم فعلهم الوزاري من طرف رئيس الحكومة.
استحقاق النتائج والفعالية سينقل الحكومة من سقف “حكومة داخل المساواة” إلى حكومة مكونة من وزراء مسرعين ووزراء بطيئين، ووزراء فاعلين ووزراء فاشلين، ووزراء مجدين ووزراء كسالى. كما أن المقابلات التقييمية السنوية من المفروض أن تنقل الوزراء داخل الحكومة من سقف التضامن إلى سقف المسؤولية الشخصية عن النتائج، وتعمل كذلك على نقل الوزراء من سقف التضامن الحكومي إلى سقف التنافس فيما بينهم من خلال البحث الجدي عن النتائج والأثر الذي تتركه السياسات العمومية التي يتحملون مسؤوليتها على الحياة اليومية للمواطنين المغاربة.
دسترة تقييم السياسات العمومية وشرعنة المقابلات التقييمية الهدف منهما إعادة تأهيل السياسة من خلال توجيهها نحو الفعالية والجدية التي طالب بها الملك في خطابه الأخير، مع العلم أن الجدية في زمن الفعالية هي الجدية المرقمة والمحددة كميا .
العمل الوزاري تحت سقف الفعالية والجدية سيعزز الديمقراطية المعتمدة على ثنائية (المواطن المصوت- المواطن القاضي الذي يحكم على النتائج المرقمة). وفي هذا السياق يؤكد السوسيولوجي الفرنسي بيير روزنفلون أن ديمقراطية التقييم والنسب وتقديم الحساب لا تعمل فقط على تلبية طموح المواطن المصوت (المواطن الذي يصوت على مشروع وعلى برنامج)، بل تعمل كذلك على تعزيز دور المواطن القاضي (المواطن الذي يحكم على النتائج المرقمة) من خلال تنزيل ثقافة النتائج.
شاركها على تويتر:
إرسال التعليق