سياسة

تدخلات البحرية المغربية لإنقاذ المهاجرين تسائل الشراكة بين الرباط وبروكسيل

تواصل المملكة المغربية جهودها لإدارة ملف الهجرة غير النظامية ومكافحة الأنشطة الإجرامية لعصابات الاتجار بالبشر، حيث سُجلت في الآونة الأخيرة مجموعة من التدخلات التي قامت بها الوحدات التابعة للبحرية الملكية المغربية لتقديم المساعدة وإنقاذ قوارب المرشحين للهجرة غير النظامية في عرض البحر.

وتفيد آخر المعطيات التي أفرجت عنها وزارة الداخلية في هذا الصدد بأن الرباط أجهضت أكثر من 366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية نحو الضفة الأوروبية على امتداد السنوات الخمس الأخيرة، أكثر من 70 ألف محاولة منها تعود إلى العام الماضي، في حين بلغ عدد التدخلات في هذا الإطار برسم النصف الأول من السنة الجارية أكثر من 25 ألف محاولة.

جهود يشيد بها الاتحاد الأوروبي، الشريك الرئيسي للرباط في هذا الملف، حيث أكدت إيلفا جوهانسون، رئيسة المفوضية الأوروبية للشؤون الداخلية، في يونيو الماضي، على أهمية الشراكة مع المملكة المغربية في هذا المجال، مضيفة أن “بروكسل مستعدة لدعم الجهود المغربية بكل الوسائل”.

وفي وقت ترى بعض الدول الأوربية أن المقاربة الأمنية وحدها الكفيلة بمعالجة هذا الملف، يعتبر المغرب أن تعدد المقاربات، إضافة إلى إدارة ملف الهجرة غير النظامية في إطار تشاركي ومسؤول بين دول المنشأ ودول الوصول، هي الأمور الكفيلة بإدارة هذا الملف بشكل فعال، ذلك أن وزير الخارجية المغربي كان قد أكد سنة 2020 أن “المغرب يرفض أن يلعب دور الدركي لحماية الحدود الأوروبية”.

خالد مونا، خبير في مجال الهجرة، قال إن “هذه الفترة من كل سنة تعرف نشاطا مكثفا لقوارب الهجرة السرية نحو الضفة الأوروبية”، مشيرا إلى “تدخل البحرية الملكية المغربية لإنقاذ المهاجرين السريين، سواء على الضفة المتوسطية أو الأطلسية، على غرار إنقاذ قارب يحمل مهاجرين سنغاليين كانوا على وشك الغرق في المحيط الأطلسي”.

وأضاف مونا أن “المغرب يحاول فرض ذاته على مستوى تدبير الهجرة، ليس فقط على مستوى الحدود الكلاسيكية، ولكن أيضا على مستوى الحدود البحرية، حيث اقتنت الرباط في الآونة الأخيرة مجموعة من القطع البحرية، ما يعكس اهتماما كبيرا بهذه الحدود”.

وحول الرؤية المغربية لمعالجة هذه الظاهرة، سجل المتحدث لهسبريس أن “المقاربة المغربية تختلف عن مقاربة بعض الدول الأوروبية، كإيطاليا على سبيل المثال، التي تقارب الموضوع من زاوية أمنية محضة، في حين ترى الرباط أن الهجرة غير النظامية لا تشكل خطرا على دول الشمال، كما ترى أنه لا يمكن معالجة هذا الموضوع بالمقاربة الأمنية لوحدها”.

في الصدد ذاته، اعتبر الخبير عينه أن “المقاربة المغربية متعددة الأبعاد، رغم أنها تتقاطع مع دول الاتحاد الأوروبي في مسألة مواجهة شبكات الهجرة الدولية”، مشددا على أن “التعاون المغربي الأوروبي في هذا الصدد لا يعني بالضرورة وجود انسجام تام في الرؤى وإستراتيجيات تدبير هذا الملف بين الرباط وبروكسل”.

وحول المقاربات المغربية في إدارة ملف الهجرة، سجل مونا أن “الرباط تعتبر أن معالجة هذا الملف لا يمكن أن يتم بمعزل عن المقاربة الاقتصادية والتنموية، في إطار سياسة رابح-رابح”، مبرزا أن “الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للمغرب في هذا الإطار أقل بكثير من التكلفة المادية التي تتحملها الرباط، سواء على مستوى عمليات التدخل أو على مستوى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “المغرب يدبر هذا الملف انطلاقا من مبدأ السيادة الوطنية وضرورة ضبط الحدود، وليس سعيا وراء دعم الاتحاد الأوروبي أو غيره، ذلك أن آخر الأرقام تقدر مبلغ الدعم الأوروبي في هذا الإطار بـ65 مليون دولار، في وقت تنفق الرباط أكثر من 200 مليون دولار”.

من جهته قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع، إنه “بناءً على قناعته العميقة بأن التعامل مع الهجرة لا يمكن أن يكون مقتصرًا على الجانب الأمني فحسب، انخرط المغرب في بناء نظام حكامة شامل وإنساني للهجرة، يرتكز على قيم التضامن واحترام التزامات المملكة الدولية في مجال حقوق الإنسان”.

وأضاف البراق أن “موقف المغرب الراسخ والأكيد من ملف الهجرة هو العمل على ضرورة وجود رؤية واقعية وإنسانية والتعامل مع قضايا الهجرة بروح الشراكة والتعاون والاحترام المتبادل بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مع الأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان والقيم الإنسانية في صياغة وتنفيذ سياسات مراقبة الهجرة، حيث يجب أن تأخذ السياسات المتعلقة بمراقبة الهجرة في الاعتبار العوامل الإنسانية وتحقيق التوازن بين حقوق المهاجرين ومصالح الدول”.

وأوضح المتحدث لهسبريس أن “المغرب من موقع المسؤولية استطاع الانخراط في مبادرات جريئة ومبتكرة، ساهمت في إرساء حكامة حقيقية لمسألة الهجرة، وتعزيز مكانته كرائد إقليمي وعالمي في هذا الإطار”، مشيرا إلى عدد من الإجراءات في هذا الإطار، من ضمنها “اتفاقية مراكش الأممية سنة 2018 التي تعتبر المرجع الأساسي والإطار الأكثر شمولا للتعاون الدولي في مجال الهجرة، إضافة إلى إطلاق المرصد الإفريقي للهجرة، والمبادرة الملكية السامية التي أدت إلى تسوية أوضاع أكثر من 50 ألف مهاجر بطرق جريئة”.

وزاد الخبير ذاته: “انسجاما مع المبادرة الملكية لإدماج المهاجرين تم إرساء الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، بهدف تحقيق اندماج أفضل للمهاجرين وتحسين إدارة تدفقات الهجرة في إطار سياسة متناسقة وشاملة وإنسانية ومسؤولة؛ وذلك من خلال تعزيز حقوق المهاجر في الوصول إلى الخدمات الأساسية وتعزيز التكامل الاجتماعي والثقافي، إضافة إلى العمل على إرساء آليات مستدامة من أجل التنسيق والتعاون بين الجهات المعنية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي”.

وحول التعاون الأوروبي المغربي في هذا المجال، أفاد المتحدث عينه بأن “التعاون المغربي الأوروبي في مجال الهجرة يمتاز بكونه شاملاً ومتعدد الأبعاد، ذلك أنه يتميز بالشراكة القوية والتعاون المستمر بين المغرب والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لمواجهة تحديات الهجرة وتعزيز حقوق المهاجرين، حيث تم تطوير هياكل وآليات تعاون فعالة تتضمن الحوار السياسي المنتظم والتبادل المستمر للمعلومات والخبرات والممارسات الجيدة في مجال إدارة الهجرة”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “إعادة تنشيط الشراكة بين الرباط وبروكسل في مجال الهجرة على أساس المسؤولية المشتركة من شأنه إرساء أسس قوية لشراكة متجددة ومتعددة الأبعاد، تشمل التعاون في مختلف المجالات والنقاط المرتبطة بالهجرة غير النظامية”.

Elaouad

جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة. تقدم آخر أخبار المغرب والعالم العربي بالاضافه الي أقوي الفيديوهات والصور الحصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى