المغرب يقدر جهود التعاون في “زلزال الحوز” برسائل ملكية إلى “الدول الأربعة”
في اتجاه أربع دول ساهمت بفعالية ضمن جهود الإنقاذ التي بوشرت بعد “زلزال الحوز”، أبرَق الملك محمد السادس “رسائل شكر وامتنان” إلى رؤساء وزعماء كل من الإمارات وقطر وإسبانيا ثم المملكة المتحدة.
هذه البرقيات تأتي أياماً قليلة بعد مغادرة هذه الفِرَق الدولية المختصة ميادين عملها، بعدما كانت المملكة قَبِلت مشاركتها في جهود الإنقاذ، وكذا في أعقاب برقيات شكر وامتنان ملكية بُعثت على حدة إلى كل منها، بمناسبة مشاركتها الناجحة وإسهامها الفاعل في عمليات البحث والإنقاذ إثر الزلزال المفجع الذي ضرب منطقة الحوز.
وصباح الأربعاء، بعث الملك محمد السادس برقياته، باسمه شخصياً وباسم الشعب المغربي، إلى كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، والشيخ تميم بن حمد آل الثاني، أمير دولة قطر، وتشارلز الثالث، ملك المملكة المتحدة، وفيليبي السادس، عاهل المملكة الإسبانية، ضمَّنَها تثميناً لجهود فرق إنقاذ متخصصة من الدول الأربع، مع تقدير خاص لـ”مشاركتها الفعالة في عمليات البحث والإغاثة بالمناطق المنكوبة، في انسجام وتلاحم متينَيْن مع الفرق المغربية”.
وبناء على “تقييم دقيق للاحتياجات في الميدان”، كانت المملكة قررت قبول عروض الدعم من كل من الإمارات وإسبانيا والمملكة المتحدة وقطر، معبرة في الوقت ذاته على لسان ملك البلاد عن “خالص شكرها للبلدان الصديقة والشقيقة التي أبدت تضامنها مع الشعب المغربي، وأكدت استعدادها لتقديم المساعدة في هذه الظرفية الاستثنائية”، حسب ما أفاد به بلاغ حكومي (حينها).
وفضلا عن كونها “رسائل تدخل في نطاق البروتوكولات الملكية” فإن متابعين قرؤوا من خلالها مؤشراً فعلياً على تقدير المغرب جهود الدول الصديقة والشقيقة، ومتانة علاقات الرباط بها، بالإضافة إلى ما يمكن أن تمثله من “إمكانية الانفتاح على جهود دعم دولية لإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالأقاليم المتضررة أو الإسهام التقني أو المالي فيها”.
“أواصر تعاون وترابط إستراتيجي”
تعليقا على الموضوع، سجل حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، “تعاطي الدولة المغربية مع الكارثة الزلزالية في الحوز بشكل مختلف واستثنائي يعكس نجاعة وحكامة المقاربة المعتمدة منذ بداية الفاجعة”، وزاد موضحا: “تم تنظيم عملية الإغاثة الدولية بالاقتصار على أربع دول فقط كضرورة تنظيمية لتسريع وتيرة التحرك على الأرض، خاصة مع حملة التضامن الواسعة التي أبهر فيها جميع المغاربة العالم”.
وأضاف بلوان، في تصريح لجريدة هسبريس، أنه “بعد السيطرة على الوضع الميداني ونجاح عمليات البحث والإنقاذ بسلاسة انتقلت الدولة المغربية إلى شكر بعثات الدول الأربع (الإمارات، قطر، إسبانيا، بريطانيا)، وهو ما كان موضوع إشادة من سفراء هذه الدول المعتمدة في الرباط التي تلقّت الرسائل الملكية بكثير من التأثر والتقدير والاحترام”.
وتابع المتحدث شارحا بأن “المقاربة الملكية السديدة الرشيدة انتقلت، بعدها، إلى شكر رؤساء الدول الأربع على وقفتهم التضامنية مع المغرب”، معتبرا ذلك مؤشرا “يؤكد أواصر التعاون والترابط الإستراتيجي مع هذه الدول، بشكل عكسَتْه مضامين وصياغة الرسائل الملكية السامية”.
وذكّر أستاذ العلاقات الدولية بأن “اقتصار فتح باب المساعدة والتدخل على هذه الدول فقط لا يعكس رفض المغرب المساعدات الدولية، خاصة الفرنسية؛ لكنه قرار سيادي اقتضته طبيعة الأرض الجبلية الوعرة التي ضربها الزلزال، كما اقتضته المقاربة التنظيمية لتنسيق الجهود على الميدان، ونجاعة وسرعة التدخل من جهة أخرى”.
“رغم ذلك، مازال المغرب يفتح الباب أمام المساعدات المادية والتقنية التي يمكن أن تساعد في إعادة الإعمار وتقوية البنية التحتية المقاومة لآثار الهزات الأرضية”، يورد بلوان في حديثه لـ هسبريس، مشددا في هذا الشأن على “ظهور الدور الإماراتي والياباني كبلديْن رائدين في المجال”.
وخلص المتحدث إلى أن “تنسيق المغرب مع أربع دول فقط، وفتح الباب أمام باقي الدول بعد التنسيق مع السلطات المختصة المغربية، يعكس حجم العلاقات الثنائية مع هذه الدول التي تم اختيارها بعناية دقيقة تختلط فيها مشاعر التضامن مع قوة العلاقات الأخوية والسياسية والاقتصادية”، لافتا إلى أنه “يعكس أيضا حجم الدعم المالي المنتظَر في عملية إعادة الإعمار، خاصة بالنسبة لدولة الإمارات الشقيقة التي يحظى فيها الملك بالاحترام والتقدير، وتقِف إلى جانب الشعب المغربي في جميع أفراحه كما في مِحَنه”.
“المغرب لن ينسى الواقفين معه”
من جانبه، يرى محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن هاته البرقيات الملكية تتجاوز كونها بروتوكولا “عاديا”، بل “هي بالفعل عبارة عن اعتراف مغربي بفضل سابقٍ للبلدان الأربعة، تجلّى في مسارعتها إلى مدّ يد المساعدة في محنة الزلزال”.
“أكيد أن المغرب لن ينسى مجهودات هذه الدول التي عبّرت، من جهة، عن مساعداتها، ووصلت من جهة ثانية إلى الميدان بوسائل قيّمة للتدخل استحقت أن تكون محط شكر وثناء وامتنان بعد انتهاء مراحل الإنقاذ”، يقول نشطاوي في تصريح لهسبريس، مشددا على أن “المغرب لا ينسى مَن يقف معه”.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية أن “المغرب يظل منفتحاً على ما سيتم في مرحلة الإعمار والجوانب اللوجستية المتعلقة بتدابير فترة لاحقة لمراحل الإغاثة الأولية المستعجَلة”، لافتاً إلى أن “مسألة إعادة الإعمار والجوانب اللوجستية المتعلقة بإيواء منكوبي الزلزال وسير حياتهم بشكل طبيعي تتطلب، بلا شك، أموالا كبيرة قدّرتها هيئات دولية بملايير الدولارات”.
تحديات
في هذا السياق، عدّد نشطاوي تحدّييْن اثنين أولهما “شساعة المنطقة الجغرافية المنكوبة وصعوبة الولوج إليها”، مع تحد ثان يتمثل في عدد الأسر اللازم إيواؤها، التي تقدر بمئات الآلاف، مستحضرا أنها “أقاليم جبلية هشة تنموياً تحتاج إلى تدخل لإعادة إعمار مناطقها قبل حلول الشتاء”.
ولفت المتحدث إلى أن “التكلفة المادية الباهظة لإعادة الإعمار قد تدفع المغرب إلى الانفتاح على مساعدات دولية من منطلق علاقات الصداقة والأخوّة، أو من خلال عقد مؤتمر للمانحين، أو الانفتاح على هبات، أو قروض بشروط ميسّرة”، وأردف بأن دولا مثل فرنسا “لم تفهَم أن المغرب يتغيّر ويُدير أزماته باحترافية وبكل أريحية، ومن منطلق كفاءته وقدراته البشرية واللوجستية الخاصة”، خاتما بأن “موقف الرباط موقف سيادي وفق تدابير كل مرحلة واحتياجاتها”.
شاركها على تويتر:
إرسال التعليق