المغرب وروسيا يتطلعان إلى تطوير العلاقات في خضم سياق دولي مضطرب

احتفت الرباط وموسكو، أمس الجمعة، بالذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ من خلال تبادل التهاني بين وزيري خارجية البلدين ناصر بوريطة وسيرغي لافرورف، والتي لم تخلُ من إشارات دالة تؤكد صفو العلاقات وتوجهها نحو تطور ونمو أكبر في المستقبل.
وبدا لافتا في رسالتي بوريطة ولافروف التعبير عن “الطموح المشترك للحفاظ على تنسيق فعال في مجال السياسة الخارجية بين المغرب وروسيا، بما يخدم الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي”؛ الأمر الذي يعد رسالة واضحة من الجانبين ترسم مسار ومستقبل هذه العلاقات التي تعرف نموا مضطردا منذ سنوات.
ولم يقف البلدان، خلال هذه الذكرى، عند هذا الحد؛ بل ثمن وزيرا خارجيتيهما الاهتمام الذي يوليه الجانبان لـ”استمرار تطوير وتعميق التعاون متعدد الأبعاد بين المغرب وروسيا والذي يعود بالنفع على البلدين”، ما يعني أن الطرفين يسيران نحو تعميق الشراكة والتعاون بينهما في مختلف المجالات.
عمق تاريخي
محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، اعتبر أن محاولة المغرب لبناء “علاقات متوازنة بين مختلف القوى ليست وليد اليوم؛ لأن العلاقات كانت دائما مبنية على الصراع بين القوى الكبرى، والمغرب كان دائما يتمكن من بناء علاقات متوازنة”.
وأفاد العمراني بوخبزة، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، بأن التعامل مع المغرب يجب أن يكون “تعاملا مختلفا، لفهم كيفية بناء علاقاته الخارجية؛ لأن ذاكرة الدولة المغربية ذاكر طويلة جدا، وبالتالي حتى الممارسات هي ممارسات قديمة تحاول أن تتأقلم مع المستجدات”.
وزاد الخبير في العلاقات الدولية مبينا أن من ينظر إلى كيفية تعامل المملكة مع مرحلة الحرب الباردة يلاحظ أن المغرب “رغم أنه كان قريبا من المعسكر الغربي؛ فإنه حافظ على علاقات ودية مع المعسكر الشرقي، خاصة الاتحاد السوفياتي.. ومن خلال هذا المعطى، يمكن أن نفهم ما يحدث اليوم”.
دور الجزائر
محمد العمراني بوخبزة قال إن هناك عاملا آخر يؤثر على هذا التوجه المتوازن للعلاقات المغربية مع القوى الأخرى، مؤكدا أن هذا التوجه للجزائر دور بارز فيه، حيث ذهب إلى أن “الجزائر لا تشتغل على تقوية علاقاتها مع الدول بقدر ما تشتغل على تقويض علاقات المغرب مع هذه الدول”.
وزاد المحلل السياسي موضحا “المغرب يسعى إلى تنويع شراكاته وإقامة شراكات استراتيجية ومتعددة الأبعاد؛ في حين الجزائر تحاول ما أمكن أن تقوض هذه العلاقات وتبحث عن خلق مشاكل للمغرب مع هذه الدول”، مشددا على أنه مع مرور الوقت “استطاع المغرب أن يستوعب هذا المعطى، ويحافظ على علاقاته التاريخية المتينة متعددة الأبعاد، ويأخذ كل الاحتياطات حتى لا يسمح للجزائر بأن تمس جودة هذه العلاقات”.
ولفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أنه رغم دخول روسيا في صراع جديد على مستوى العلاقات الدولية في القارة الإفريقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، “نلاحظ كيف أن المغرب جدد بشكل لافت العلاقة مع روسيا، وكأن هناك قراءة استشرافية للوضع الحالي أخذت بعين الاعتبار في وقت سابق لتؤسس لجيل جديد من العلاقة مع روسيا”.
وسجل العمراني بوخبزة أنه “عندما يقع ما يقع من صراعات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال في إفريقيا اليوم، المغرب يبقى في منأى عن تأثيرات هذه التوجهات”.
وتابع مفسرا “من هذا المنطلق، تبادل الرسائل بين الرباط وموسكو إشارة قوية من الطرفين على أن العلاقات لن تتأثر بما هو ظرفي، والأزمات الظرفية تتأثر فيها الدول التي ليس لها تاريخ في بناء العلاقات”، مؤكدا أن الحمولة التاريخية لهذه العلاقات “تؤخذ بعين الاعتبار لضمان استمراريتها، وإن كان لا نتحدث عن 65 سنة فقط، بل عن علاقات مع الإمبراطورية الروسية تعود إلى قرون ممتدة، وهذا البعد التاريخي يشكل أساسا لضمان استمرار هذه العلاقات وعدم تأثرها بالأزمات الظرفية”.
علاقات ممتدة ومتوازنة
من جانبه، سجل خالد الشيات، الخبير وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن العلاقات المغربية الروسية “ممتدة عبر الزمن ومستقرة استقرارا يتناسب مع المستوى الجيد لهذه العلاقات”.
وأكد الشيات، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التاريخ المعاصر “لم يعرف أي نوع من العداء في العلاقات بين المغرب وروسيا، ودائما كانت علاقات مستقرة وثابتة”، مبرزا أن هذه العلاقات استمرت بعد الحرب الباردة و”تم توقيع اتفاقيات قاربت 11، وهي اتفاقيات ذات طبيعة عسكرية، ثقافية، تجارية واقتصادية، وتعززت في الزيارة الملكية لسنة 2002، بما فيها التعاون الاستراتيجي بين البلدين”.
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية أن محطة الحرب الأوكرانية-الروسية بينت “كيف حافظ المغرب على التوازن بين الجانبين بين أوكرانيا التي تعترف بمغربية الصحراء وبين روسيا التي لها مواقف على مستوى مجلس الأمن متوازنة”.
وتابع المتحدث موضحا أن علاقات روسيا العسكرية مع الجزائر “كان يمكن أن يدفعها إلى مواقف أقرب إلى الطرح الانفصالي؛ لكن روسيا أقصى ما قامت به هو الامتناع عن التصويت على القرار الأخير بمجلس الأمن، وهو موقف مقبول من الناحية السياسية نظرا للارتباط الموجود مع الجزائر”.
وشدد الشيات على أن هناك “تعاونا مكثفا بين البلدين، تجاريا واقتصاديا، وفي الطاقات المتجددة والطاقة النووية السلمية، وهي آفاق طيبة للعلاقات”، معتبرا أن “الترهل الذي تعاني منه العلاقات التقليدية مع الاتحاد الأوروبي ومواقفه مؤخرا من المغرب، خاصة على مستوى البرلمان الأوروبي، أضعفت كثيرا هذه العلاقات وأضرت بالثقة بينهما، وأصبحت الفضاءات الأخرى أقرب إلى المغرب، بما فيها الفضاء الروسي”.
وذهب الشيات إلى أن روسيا يمكن أن “تستغل هذا التراجع الكبير في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا، لاحتلال مكانة جيدة”، لافتا إلى أن “ذلك سيكون مناسبا أيضا للمغرب؛ لأن توازنه مع دولة لديها حق الفيتو في مجلس الأمن، مع مشكل الصحراء، لا بد سيكون أمرا إيجابيا على المستويات السياسية والاقتصادية”.