اتهامات بـ “استغلال موارد الدولة” داخل حزب “الزيتونة” تصل إلى القضاء

ما زالت سفينة حزب جبهة القوى الديمقراطية (رمزه الزيتونة) تعيش على وقع الاهتزازات؛ فبعد الصراع المحتدم بين مصطفى بنعلي، الأمين العام للحزب، وبين حميد شباط، غريمه داخل الإطار الحزبي ذاته، صدرت اتهامات بـ”استغلال موارد الدولة بشكل غير مشروع” ضد مسؤولين بالحزب.
اللجنة الوطنية للتنسيق لحزب جبهة القوى الديمقراطية أصدرت بيانا عبرت فيه عن “قلقها إزاء انحراف بعض القادة والمسؤولين بالحزب عن مساره الأصلي”، متهمة إياهم بـ”استغلال موارد الدولة بطرق غير مشروعة” وبأنهم “يعملون على تحويله إلى مصدر ربح شخصي”.
البيان، الذي وقعه كل من سعيد جوان وزهير أصدور، دعا إلى “إعادة هيكلة حزب “الزيتونة” ومكافحة الفساد والانحراف بجميع الوسائل الممكنة واستعادة مكانته الحقيقية كقوة ديمقراطية تعمل من أجل مصلحة الوطن والمواطنين”.
الوثيقة ذاتها اعتبرت أن حزب “الزيتونة” يواجه تحديات سياسية وتنظيمية معقدة، نتيجة التسيير السيء الذي أدى إلى انحرافه عن قيمه الأصلية وتشويه مرجعياته”، لافتة إلى أن المشاكل التنظيمية والقضائية التي تعيشها الهيئة السياسية المذكورة “تزايدت منذ سنة 2017 وإلى الآن؛ مما أثر بشكل كبير على الهوية اليسارية للحزب وعلى دوره في قضايا المجتمع”.
مصدر من داخل حزب جبهة القوى الديمقراطية قال، في حديث لهسبريس، إن الحزب “يعيش، للأسف، ومنذ مدة، على وقع مشاكل تنظيمية عميقة، نتيجة استفراد الأمين العام بالقرار”.
وبخصوص النقطة المتعلقة بـ”استغلال موارد الدولة بطرق غير مشروعة”، قال المصدر ذاته: “كمناضلين تربينا على ثقافة اليسار، لا نولي اهتماما للجانب المادي في عملنا، ولم نكن نناقش الأمين العام في هذا الأمر انطلاقا من الثقة التي وضعناها فيه، وأيضا مراعاة للوضعية الصعبة التي يعيشها الحزب بعد وفاة مؤسسه (التهامي الخياري).
الاهتزاز، الذي خلخل استقرار سفينة حزب “الزيتونة”، زادت حدة ارتداداته بعد الصراع الذي احتدم قبل أشهر بين أمينه العام وبين حميد شباط، الذي استقطبه الحزب قبيل الانتخابات التشريعية والجماعية لعام 2021، قبل أن تتوتّر العلاقة بين الطرفين وتصل إلى المحاكم.
المصدر الذي تحدث إلى هسبريس قال إن قياديين في حزب “الزيتونة” نصحوا الأمين العام بأن يفتح حوارا داخليا مع مختلف مكونات الهيئة السياسية، “من أجل خلق قيادة جماعية محترمة، ووضع حد للصراعات التي تنخر الحزب، والقضايا المرفوعة ضد قيادته أمام المحاكم، وأن يقوم بقراءة نقدية للوضع؛ ولكنه لم يتفاعل إيجابا مع هذا المطلب”.
وتابع المصدر ذاته: “كل ما له علاقة بمالية حزبنا يتحكم فيه الأمين العام، ونحن كنا نصدق كل المعطيات التي يقدمها لنا، وأكبر طابو في الحزب هو المالية”، مضيفا: “الأمين العام يَعتبر كل من يلمّح إلى ما يتعلق بالتدبير المالي للحزب خطرا، ولا يتردد في إبعاده”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن عددا من مسؤولي الحزب تم إبعادهم “بشكل لا تُحترم فيه المساطر القانونية، إذ يتم ذلك أحيانا من خلال رسائل عبر تطبيق “واتساب””.
وسبق لسعيد جوان أن استفسر، بصفته عضوا في المكتب السياسي بحزب جبهة القوى الديمقراطية ونائب أمين مال الحزب ورئيس لجنة تدقيق المالية، بتاريخ 21 فبراير 2023، مصطفى بنعلي عن “تردي الوضع المالي للحزب، بسبب تسييركم غير المعقلن لموارده”.
وحسب المعطيات الواردة في الوثيقة، فإن الأمين العام لحزب “الزيتونة” أدلى للمجلس الأعلى للحسابات بوثائق تثبت أداء تكاليف الإيجار المتعلق بمقر الحزب، بما مقداره 204 آلاف و440 درهما، برسم سنة 2017، وما مقداره 108 آلاف درهم برسم سنة 2018؛ في حين أن المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط قضتا بإفراغ المقر لصالح ذوي الحقوق، مع ثبوت عدم أداء إيجار السنتين المذكورتين.
الوثيقة ذاتها أشارت إلى عدم تقديم الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية لتقارير الخبير المحاسب التي يشهد من خلاله بصحة الحساب السنوي للحزب؛ “ما يُستنتج منه أنكم مُلزمون بإرجاع ما قدره 1 مليون و80 ألف درهم، كغلاف خاص لتكاليف الإيجار إلى حساب الحزب”.
وتعليقا على ذلك، قال المصدر الذي تحدث إلى هسبريس: “لولا هذه الواقعة المتعلقة بعدم أداء إيجار المقر التاريخي للحزب ما كنا لنعرف حقيقة تدبير المالية، وقد كنا ننتظر أن تتغير الطريقة التي يدبّر بها الأمين العام الحزب، فإذا به يستمر في طرد كل مَن يعارض توجهاته”.
بنعلي ينفي
في المقابل، نفى مصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، الاتهامات الموجهة إليه بشأن “استغلال موارد الدولة بطرق غير مشروعة”، وقال إن “هذا الكلام لا يمكن أن يقوله أي مسؤول أو عضو داخل الحزب، وأن مَن يروّجونه لا علاقة لهم بالحزب”.
واعتبر بنعلي، في تصريح لهسبريس، أن البيان الموجه ضده “هدفه التشويش على الحزب”، مبرزا أن كل ما يتعلق بمراقبة التدبير المالي للحزب موكول إلى المجلس الأعلى للحسابات، وأنه أنجز معاينة قضائية للوثيقة المذكورة، حررها مفوّض قضائي، بتاريخ 15 غشت الجاري، وأنه سيرفع دعوى قضائية ضد أصحابها.
وبالعودة إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات، برسم السنة المالية 2021، فقد سجّل المجلس عددا من الملاحظات على تدبير مالية حزب “الزيتونة”، قدمها إلى المسؤول الوطني للحزب، قصد تقديم التوضيحات أو التبريرات اللازمة بشأنها، وقال المجلس إن الأجوبة التي توصل بها عن ملاحظاته “تبيّن أن الحزب لم يقدم تبريرات كافية” بخصوص بعض الملاحظات.
وذكر المجلس الأعلى للحسابات أن حزب جبهة القوى الديمقراطية لم يقدم جميع الجداول المكوِّنة لقائمة المعلومات التكميلية المتعلقة باستعمال الدعم المخصص للمصاريف المترتبة عن المهام والدراسات والأبحاث المنجزة لفائدة الأحزاب السياسية من طرف الكفاءات المؤهلة بهدف تطوير التفكير والتحليل والابتكار في المجالات المرتبطة بالعمل الحزبي والسياسي.
كما سجّل المجلس على الحساب المالي لحزب “الزيتونة” مجموعة من التحفظات طالبه بتقديم تفاصيل بشأنها؛ منها عدم تسجيل مخصصات تخص سندات المساهمة بمبلغ قدره 2.8 ملايين درهم، وعدم تسجيل مخصصات تخص “مدينين آخرين” بمبلغ قدره 313 ألفا و138 درهما، وعدم تسجيل الوضعية الصافية الموجودة في خصوم الحسابات، وعدم إخضاع بعض فواتير الحملة الانتخابية لمسطرة التفاوض مع المورّدين.
وأوضح الحزب، حسب ما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه سيقوم بإدراج الملاحظات المسجلة من لدن الخبير المالي في المحاسبة لسنة 2022، “لكون التقرير تمت صياغته بعد إغلاق المحاسبة للسنة المعنية (2021)؛ في حين أرفق جوابه ببعض سندات الطلب وسندات الاستلام المصادق عليها من لدن إدارة الحزب والخاصة بالفواتير الموضوع التحفظ.
وغداة صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وجه عامر اشعابي، عضو سابق بالأمانة العامة لحزب جبهة القوى الديمقراطية ومتمتع بالعضوية داخل الحزب حاليا، بتاريخ 15 ماي، شكاية إلى الرئيسة الأولى للمجلس للحسابات، نبّه فيها إلى عدم تسجيل المجلس لمؤاخذات على الحزب بخصوص تبريره لنفقات تدبيره، وخصوصا ما يتعلق بالشق المتعلق بأداء إيجار المقر المركزي المحددة سومته في 15 ألف درهم.
واعتبر صاحب الشكاية أنه “من المفارقة أن يحكم على حزب جبهة القوى الديمقراطية بالإفراغ بسبب التماطل في الأداء من سنة 2017، وأن لا تتضمن تقارير مجلسكم الموقر (المجلس الأعلى للحسابات) أية إشارة سواء ما تعلق بوثائق الإثبات القانونية أو تقديم وثائق إثبات غير كافية بشأن بعض النفقات أو تبرير نفقات بوثائق في غير اسم الحزب”.
وفي الوقت الذي قال الأمين العام لحزب “الزيتونة” إنه سيتابع قضائيا الأشخاص الذين يتهمونه بالاستفادة من موارد الدولة بطرق غير مشروعة، قال المصدر الذي تحدث إلى هسبريس من الحزب: “على الأمين العام أن يدبّر أولا القضايا الكثيرة التي يُتابع فيها أمام المحاكم”.
وحسب وثيقة مُستخرجة من الموقع الإلكتروني لمحكمة الاستئناف بالرباط، فإن آخر قضية يُتابع فيها بنعلي، سُجلت لدى قسم الجرائم المالية في المحكمة المذكورة بتاريخ 17 ماي 2023، ويتعلق موضوعها بـ”تبديد واختلاس أموال عمومية والمشاركة”.